التقويم في البيداغـوجيا التقليدية.. ضعف أسلوب التنقيط المستعمل والاعتماد على مقارنة التلاميذ بزملائهم، بدلا من مقارنتهم بما كانوا عليه وما أصبح بإمكانهم القيام به بعد التعليم

لقد اتبثت الدراسات الحديثة في مجال البيداغوجيا، عدم صلاحية الكثير من الأساليب المعتمدة لحد الآن في التقويم وتدني مستواها من حيث الهدف والثبات، ومن حيث قدرتها على تغطية مختلف الجوانب المستهدفة.

فالاختبارات مازالت تركز على قياس حفظ المعلومات وذلك على حساب قياس مدى الكفاءة في المستويات العليا للنشاط العقلي (التحليل، الاستدلال، الابتكار...)، وكذا على حساب قياس الجوانب المهارية والوجدانية والاجتماعية في شخصية الفرد، وبما أن النموذج التقليدي في التعليم ينظر إلى المدرس كمنبع للمعرفة فإن دور التقويم في هذا النمودج كان ينحصر في قدرة المتعلم على استيعاب المعارف التي يلقنها المدرس.

ويعتبر الامتحان كأحد الأساليب القديمة في تقويم من بين مميزات البيداغـوجيا التقليدية، بحيث تغطية الأهمية الكبرى. وينظر إليه الجميع كفاية في حد ذاته وليس كوسيلة للكشف والتشخيص والتطوير.

وكلنا نعلم ما يترتب عن هذا من ظواهر سلبية، في مقدمتها الخوف بل الهلع من الإمتحان وغيرها من الظواهر اللاتربوية المفسدة، من مثل لجوء التلاميذ إلى الغش في الامتحان والخداع في إنجاز الواجبات أو إلى العدوانية تجاه المدرسة والمدرسين.

ومن مظاهر التقويم وفق البيداغـوجيا القديمة، ضعف أسلوب التنقيط المستعمل والذي عادة ما يقدم قيمة نهائية وتجميعية يصعب معرفة وتحديد ما تعنيه وما تعتبر عنه بالضبط.

فتظل النقطة النهائية قليلة الفائدة في الكشف عن قدرات التلميذ الحقيقية وفي تشخيص تقدمه واستعداداته للتحسن.

وما دام التقويم يرتبط في ذهن المتعلمين بالجزاء النهائي (النقطة، المعدل النهائي، النجاح، الانتقال..) فإنهم لا يعيرون المواد الضعيفة، أي ذات المعاملات الضعيفة، أية اهتمام وكذلك هو الأمر بالنسبة للمواد التي لا تكون موضع امتحان.

كما يعيرون المراقبة المستمرة (التقويم المستمر) أهمية تذكر، خاصة إذا علموا أن المدرسين لا يحتسبونها ضمن معدلات الاختبارات النهائية.

إن من أهم الأخطاء السالفة في مجال التقويم هو الاعتماد على مقارنة التلاميذ بزملائهم، بدلا من مقارنتهم بما كانوا عليه وما أصبح بإمكانهم القيام به بعد التعليم.

فيضيع الضعاف منهم بل ربما يضيع المتوسطون أيضا، في حين أن المقارنة السليمة ينبغي أن تستند على الأهداف المنشودة وعلى معايير المحددة سلفا والتي تتغير انطلاقا منها الوضعية التي يكون عليها التلاميذ في البداية وقبل شروعه في تعلم المادة الدراسية ثم ما صار عليه بعد الانتهاء من حصة أو مجموعة من الحصص.

أي ينبغي أن تسود في نظامنا التعليمي وكلما تعلق الأمر بتقويم الكفايات الاختبارات مرجعية المحك (le critère référentiel) بدل الاختبارات مرجعية الجماعة (la norme référentiel) التي سبقت الإشارة إليه، فالاختبارات مرجعية المحك تتميز بأن لها قيمة تشخيصية لتحديد جوانب القوة والضعف في تحصيل التلميذ وتستخدم أساسا لتقويم كفايات الأفراد وما يمتلكونه من معارف ومهارات وظيفية مكتسبة من برامج تعليمية أو تدريسية محددة الأهداف والنواتج.

ومما يلاحظ على التربية التقليدية، انعدام الانسجام بين مكونات العملية التعليمية، مما يحدث اضطرابا في سير الدروس واضطرابا في توظيف التقويم في التشخيص وفي التكوين ذاته.

والأمثلة كثيرة بهذا الصدد، منها: طول البرامج (المحتويات) وعدم مناسبتها لما يخصص لانجازها من وقت ومن وسائل.

مما يترتب عنه الإسراع لإتمام المقرر والميل إلى إملاء الدروس دون شرح ولا فهم ولا أشغال تطبيقية ولا عروض...الخ.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال