اندلعت شرارة النقائض حين هجا شاعر من عشيرة سُلَيط اليربوعية التميمية يدعى غساناً، هجا جريراً، فسقط عليه جرير بهجاء مر، فاستغاث منه بالبعيث المجاشعي، فأغاثه بقوله في جرير وعشيرته:
أترجو كليبٌ أن يجيءَ حيثُها -- بخيرٍ وقد أخزى كليباً قديمُها
لعمري لئن كانت بُجيلةُ زانها -- جريرٌ فقد أخزى كليباً جريرُها
رميتَ نضالاً عن كليبٍ فقصّرتْ -- مراميكَ حتى عاد صفراً جفيرُها
أترجو كليبٌ أن يجيءَ حيثُها -- بخيرٍ وقد أخزى كليباً قديمُها
لعمري لئن كانت بُجيلةُ زانها -- جريرٌ فقد أخزى كليباً جريرُها
رميتَ نضالاً عن كليبٍ فقصّرتْ -- مراميكَ حتى عاد صفراً جفيرُها
فأجابه جرير بنقيضة أولها:
ألا بكّرتْ سلمى فجدَّ بُكورُها -- وشقَّ العصا بعدَ اجتماعٍ أميرُها
ألا بكّرتْ سلمى فجدَّ بُكورُها -- وشقَّ العصا بعدَ اجتماعٍ أميرُها
ثم صب عليه وعلى مجاشع شواظ النار وأفحش بنسائهم إفحاشاً شديداً جعلهن يستغثن بالفرزدق، وكان معروفاً بإقذاعه في الهجاء، وكان معتكفاً على حفظ القرآن يريد أن يبدأ سيرة جديدة، فما زلن به يستثرنه قائلات إن جريراً هتك عورات نسائك وظللن عليه حتى هجاه، واستطار الهجاء بينهما وامتدا به لا إلى عشيرتيهما فحسب، بل إلى قيس وتغلب وتميم أيضاً.
وانزلق في هذه المناظرة كثير من الشعراء تحيزوا للفرزدق على جرير، فكان يشوي وجوههم ووجوه عشائرهم بهجائه فينسحبون منهزمين على شاكلة الراعي النميري الذي أوقعه سوء حظه في تفضيل الفرزدق على جرير بقوله:
يا صاحبيَّ دنا الرواحُ فسيرا -- غلبَ الفرزدقُ في الهجاءِ جريرا
وهجاه بقصيدة بائية فنظم جرير نقيضة هجاه وهجا الفرزدق فيها، منها قوله:
فغُضَّ الطرفَ إنَّكَ من نُميرٍ-- فلا كعباً بلغتَ ولا كِلابا
فغُضَّ الطرفَ إنَّكَ من نُميرٍ-- فلا كعباً بلغتَ ولا كِلابا
وفي أثناء ذلك كان الأخطل يرقب المعركة بينهما وهو تغلبي نصراني كان ناقماً على جرير لمدحه قبيلة قيس المعادية لتغلب.
كما كان ناقما عليه لمزاحمته إياه في بلاط بني أمية، وتحرش به بأن فضل عليه الفرزدق في مجلس بشر بن مروان.
وسرعان ما جاء رد جرير في قصيدة يهجوه ويهجو الفرزدق يقول فيها:
يا ذا العباءةِ إنَّ بشراً قد قضى -- ألاّ تجوزَ حكومةُ النشوانِ
فدعوا الحكومة لستمُ من أهلِها -- إنَّ الحكومةَ في بني شيبانِ
وعلى إثر هذا استطار الهجاء بينهما.
ولم يكن على جرير أن يرد على الفرزدق والأخطل وحدهما، بل كان عليه أن يرد أيضاً على كثير من الشعراء، ولكن الأمر الذي لا شك فيه أن تغلب جرير على هذا العدد الضخم من الشعراء يدل على مقدرة فنية جبارة.
التسميات
أدب أموي