الحكمة في الشعر العباسي.. استيعاب شعراء بني العباس حكم اليونان والفرس وحكم كليلة ودمنة الهندية التي ترجمت للفارسية ثم نقلها ابن المقفع إلى العربية

أثرَّت حركة الترجمة الواسعة في شعر الحكمة، فنجد أن شعراء بني العباس استوعبوا حكم اليونان والفرس وحكم كليلة ودمنة الهندية التي ترجمت للفارسية ثم نقلها ابن المقفع إلى العربية فتمثلوا كل ذلك شعراً، وضمنوا بعضه أبياتهم، وما كادوا يقعون على كتابي الأدب الكبير والأدب الصغير اللذين نقل فيهما ابن المقفع تجارب الفرس وحكمهم ووصاياهم في الصداقة والمشورة وآداب السلوك حتى أخذوا يفردون المقطعات في تصويرها شعراً.
يقول بشار بن برد في إحدى مدائحه:
إذا بلغَ الرأيُ المشورةَ فاستعـن -- برأيِ نــصيحٍ أو نصيحةِ حازمِ
ولا تجعلِ الشورى عليك غضاضةً -- مكانُ الخوافي نافعٌ للقـــوادمِ

ويقال: إنه كان في ديوان صالح بن عبد القدوس ألف مثل للعجم.
 ولقد كانت حِكَمُ العصور الأدبية السابقة تبدو منثورة في قصيدة المديح أو الهجاء أو الرثاء أو حتى الغزل، لتلخص تلك التجربة في حكمة أو اثنتين خلال القصيدة، فزهير بن أبي سلمى ضمَّن معلقته شذرات من تجربته تخدم غرض القصيدة.

وتميّز شعر الحكمة العباسي بإفراد قصائد أو مقطوعات كاملة للحكمة، ينتقل الشاعر فيها من عرش الشاعر العفوي إلى كرسي الناظم المعلم، يجمع فيها كل ما وافق وزنُه وثمُنَ معناه.

من ذلك قصيدة (ذات الأمثال) لأبي العتاهية التي جمع فيها كثيراً من الأمثال البليغة ذكر صاحب الأغاني أنها تبلغ نحو أربعة آلاف مَثَل ومن الشعراء الذين أفردوا للحكمة قصائد كاملة صالح بن عبد القدوس:
المرء يجمع والزمان يفـرق -- ويظل يرقع والخطوب تمزق
ولأن يعادي عاقلا خيـر له -- مـن أن يكون له صديق أحمق
فارغب بنفسك أن تصادق أحمقا -- إن الصديق علي الصديق مصدق
وزن الكلام إذا نطقت فإنما -- يبدي عيوب ذوي العقول المنطق
أحدث أقدم

نموذج الاتصال