الحالة الدينية في العصر الأموي.. اتساع موجة الزهد وظهور الغزل العذري الذي يسمو بالحب عن الرغبات الحسية وشعر المدح, الذي يصوّر الفضائل الدينية في الممدوح

اتسعت موجة الزهد في العصر الأموي، وكان للحجاز والشام ومصر نصيبهم من الزهد، لكن العراق سبق في ذلك (لماذا؟)

1- بسبب الحروب الداخلية الطويلة فيه، فمن خسر تلك الحروب ولم يستطع اقتناص الدنيا تحول إلى الزهد فيها وأخذ يستعد للآخرة.

2- بسبب ظلم ولاة بني أمية وتعسفهم مع العراقيين؛ حيث لم يكن أمام الناس إزاء هذا الظلم إلا أن يعتصموا بحبل الله وينصرفوا عن متاع الدنيا.

وقد كثر في العراق العباد والنساك، وعرف جمهورهم باسم القُرّاء، عاشوا معيشة زاهدة تقوم على التقشف ومجاهدة ورياضة النفس.

فنبت شعراء تلك المناطق في جو روحاني مثالي، فيه إيمان وتعلق بالآخرة، من هؤلاء الشعراء من أوقف كل شعره أو معظمه في الزهد، كسابق البربري الذي أوقف كل شعره على التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة.
و أبو الأسود الدؤلي الذي جاء أكثر شعره في الاتجاه الإسلامي.

 وهناك شعراء جمعوا بين اتجاهين متضادين في شعرهم، كالفرزدق المشهور بالفسق والاستهتار والهجاء، نجده غير منفصل في شعره عن الإسلام.

ويروى أنه قيد نفسه وآلى أن لا ينزع القيد عن رجله حتى يحفظ القرآن.
وقد أثرّت الحالة الدينية على سائر الأغراض الشعرية.

فقد بدا تأثير الدين في الغزل إذ أسبغ عليه البراءة والطُهر والصفاء والنقاء ونجد ذلك عند شعراء البوادي في الحجاز، وشعراء نجد، وعند فقهاء المدينة المنورة ومكة.

فشاع الغزل العذري وكأن الإسلام أضفى على علاقة الرجل بالمرأة ضربًا من القدسية يسمو بالحب عن الرغبات الحسية والنظر للمرأة باعتبارها متاعا جسديا فحسب.

كما ظهر أثر الدين في شعر المدح، إذ صار يصوّر الفضائل الدينية في الممدوح، ووّثق هذا التصوير في مدح الخلفاء والولاة فصار الشاعر يتحدث عن تقوى الأمير أو الوالي وعن إقامته لميزان العدل بين الرعية...

وكذلك بالنسبة لشعر الحماسة الذي كان أقوى في تأثره بالإسلام من شعر المديح، إذ كان يُنظم أكثره في الجهاد ورغبة الاستشهاد في سبيل الله.

كما طُبع شعر الرثاء بطابع الروح الدينية الراضية بقدر الله وقضائه، فكل نفس ذائقة الموت.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال