مساعي لجنة الأعيان المشتركة للصلح مع ابن سعود.. انتهاء سلطة الحسين المطلقة بإنزالها إياه عن العرش ومبايعتهم ابنه عليا ملكا على الحجاز فقط

كانت لجنة الاعيان المشتركة قد ناشدت عبد العزيز بن سعود قبل احتلال مكة في 4 تشرين الأول بترك الحجاز لأهله الذين لا دخل لهم بالنزاع، واكدت في كتابها انتهاء سلطة الحسين المطلقة بإنزالها إياه عن العرش ومبايعتهم "ابنه عليا ملكا على الحجاز فقط، وعلى ان ينزل على رأي المسلمين او ان يوقف الجيوش عند آخر نقطة بلغتها، وإرسال مندوبين للمفاوضة فيما يجب عمله نحو هذه البلاد المقدسة.

وعززت الهيأة المكذورة كتابها ببرقية اخرى للرياض بنفس المعنى، غير ان الزعيم الوهابي كان مصرا على موقفه في اخراج الحسين وعائلته من الحجاز (فبدونه ـ كما ذهب السلطان في جوابه على الهيأة في 16 تشرين الأول ـ يستحيل نشر السلام في الجزيرة) وبعد ان نفى اية مطامع شخصية له في الحجاز. اوضح له مصيره بيد العالم الاسلامي، واعدا اهالي جدة بالامان، اذا ما غادر الحسين وعائلته عاودت لجنة الاعيان المشتركة مساعيها مجددا وارتأت الاتصال بقادة عبد العزيز بن سعود في مكة، وتبادلوا معه في اواخر تشرين الأول الرسائل وصولا الى ما ينهي القتال، طالبوهم فيها الموافقة على قدوم وفد حجازي الى مكة للتفاهم على هدنة بين الطرفين حقنا للدماء لحين مجئ الوفود الاسلامية التي طلبت اللجنة قدومها  وبالذات جمعية الخلافة في الهند فغادر الوفد الحجازي في حوالي 22 تشرين الأول 1924، بعد موافقة خالد بن لؤي على مجيئه.

وكان الوفد يضم عشرة وجهاء بعضهم من المناوئين لبيت الحسين. ولدى اجتماعهم بخالد فرض الاخير ثلاثة شروط تعجيزية، اوضح استحالة التساهل باي اقتراح عداها هي:
القبض على الملك علي او اجباره بترك الحجاز.
أو الموافقة على الاستعانة بقوات نجدية حالة عجزهم تنفيذ ذلك  والظاهر ان الوفد اقتنع بهذه الشروط وبايعه عليها ، رغم تظاهره خلاف ذلك للملك علي، حفظا لمصالحهم لدى الطرفين.

عاد الوفد الحجازي في 25 تشرين الأول وابلغ لجنة الاعيان بالشروط المتقدمة والتي اشترط تنفيذها في مدة اقصاها عشرة ايام. فارتأى بعض الاعضاء حمل الملك علي على التنازل، فيما ذهب البعض ناصحا بالتريث، واتفق اخيرا على ارجاء مناقشة الامر الى يوم غد، فلم يؤد ذلك الى نتيجة ما، بل كان مثار انشقاق هذه الجماعة على نفسها، وانحلالها كهيئة مميزة.

وقد اعلن محمد الطويل رئيس اللجنة انتهاء مهمتها وحلها في يوم 27 تشرين الأول، وما كان ذلك منه الا بحكم تعاطفه مع الهاشميين، ضد العناصر المناوئة، والتي ظهرت اكثر اعتدادا برأيها من السابق.

والظاهر ان هذه الجماعة وبحكم مواقفهما العالية ـ وكما سيثبت في السطور القادمة. كانت وراء الدعاية التي عمت جدة للعدول عن الدفاع وحمل الملك علي على ترك البلاد، وذلك اثناء وجود الوفد الحجازي في مكة.

اذ رفع اهالي المدينة في حوالي 22 تشرين الأول مضبطة الى رئيس الحكومة الحجازية طالبوا فيها الملك بالتخلي عن الدفاع عن جدة، الا ان الملك عارضهم واتصل بالوفد الحجازي في مكة ليبذل مساعيه للتفاهم مع خالد بن لؤي، واذا كان الاخير غير مفوض بذلك فبالامكان ايقاف القتال لحين مجيء عبد العزيز بن سعود الى مكة. وابلغ الوفد بالرجوع في حالة عدم الاستجابة لهذه النقاط.

استمرت العناصر المعارضة على موقفها السابق الى الدرجة التي اتهم فيها بعض اعضائها بالتجسس للقوات الوهابية فأمرت الحكومة بالقبض عليهم وشكلت محكمة عسكرية خاصة لمحاكمتهم، وادعت الاخبار تنفيذ حكم الاعدام بحقهم على اسوار جدة  الا ان الملك علي ورغم اصرار تحسين الفقير (وزير الحربية وقائد الجيش) على ذلك سرعان ما عفا عنهم.

وقد دفع المتهمون مبلغ ألفي جنيه مقابل ذلك لاستغلالها في القضايا الدفاعية ، وقد ظلت بعض هذه العناصر على موقفها السابق، كلما اشتدت وطأة الحصار على جدة فكان عبد الله علي رضا ورغم كونه احد موظفي الحكومة (قائمقام جدة) - في قناعة من استحالة الدفاع عن جدة بواسطة القوات المأجورة التي جمعها تحسين الفقير من العاطلين في سورية او شرقي الاردن، ولم يتوان من ايضاح هذا الموقف للمستر فلبي.

اما قريبه قاسم زينل فقد ابلغ فلبي بكل صراحة ان امل الحجاز الوحيد يقوم على انتصار الوهابيين الكامل وهو انتصار كان يعمل له بكل ما عنده من نشاط ، ولم يكن حكم الاعدام الذي اعفي منه كما تقدم برادع له بل شرع يجهر بعدائه لهم وان مغادرة الملك علي برأيه الحل الوحيد للمشكلة.

كانت معظم العناصر المعارضة من اثرياء جدة ومكة، وتجارها، وكانت غالبيتهم من المسلمين الذين استقروا في الحجاز، بعد تنامي مصالحهم ونفوذهم فيه ولا تعدوا اهتماماتهم في هذا الظرف من تجنبهم القلاقل والحروب التي تضر بهذه المصالح  فكان من الطبيعي ان يجنح هؤلاء لايقاف الحرب انقاذا لمصالحهم الاقتصادية سواء المتعلقة منها بموسم الحج وما كان يدره عليهم من الاموال او بالتجارة عموما والتي كانت ترتكز بشكل رئيسي على ميناء جدة.

ومن هنا جاءت موافقتهم ضعيفة من الحرب الاخيرة، وتتماشى مع مدى فاعليتها، فهم يجبرون الحسين على التنازل آملا في إيقاف الحرب لاعتقادهم بقناعة عبد العزيز بن سعود بهذه الخطوة وقبوله بتسوية الامر سلما، عادوا بعدها ـ وبعد فشل تصوراتهم ـ وارتأوا إجبار الملك علي على ترك البلاد لابن سعود، بل وامست مواقفهم بما ينسجم مع هذا الهدف، كالتعاون المنوه عنه مع القوات الوهابية في هدف التعجيل بإنهاء الحرب.

ومن هنا جاء الانقسام الذي تعرضت له لجنة الاعيان المشتركة كما اشرنا، حيث ظل الشيخ محمد الطويل مدير الكمارك والخزينة على ولائه للهاشميين، في حين ترأسَ قاسم زينل الجماعة المعارضة، والواقع ان ولاء الطويل للهاشميين ودعمه للملك علي  يبدو مرحليا، كأن يأمل منه بقاء العائلة الهاشمية التي تنعم في ظلها كموظف مالي كبير، وصاحب ثروة وافرة، وهذا ما يفسر التراجع ـ وان كان معنويا ـ الذي اخذ يعتري الطويل، بعد ان ادرك باقتراب نهاية العائلة التي والاها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال