علاقة المدرسة بالعملية الإدماجية للطفل في المجتمع.. اكتشاف الحياة الاجتماعية واضمحلال التمركز الذاتي الطفو لي والتعليم عن طريق تنشيط جماعي

لا يقل دور المدرسة عن دور الأسرة في عملية الإدماج...إن الدخول إلى المدرسة في السنة السادسة أو السابعة من العمر حدث هام في حياة الطفل، فالدخول إلى المدرسة يعد قطيعة شبيهة بالفطام العاطفي، وهذا الفطام يتطلب جهدا انفعاليا، ينبغي أن يتحمله الطفل من أجل التوافق مع النظام المدرسي.

سيجد الطفل نفسه مضطرا للتواجد بصفة منتظمة مع جماعة الأنداد، وعليه أن يقيم علاقات تفاعل اجتماعي مع أطفال لا يتشابهون معه تماما، ولا يتوادون معه دائما...وهذه التجربة ليست يسيرة على الطفل المتمركز حول ذاته.

سيجرب الطفل لأول مرة في حياته وسطا عاطفيا محايدا بالنسبة له، وعليه أن يصنع لنفسه مكانا في الوسط المدرسي دون أن يحظى فيه بحب الوالدين، ولأول مرة عليه أن يتكيف مع ضغوط لا محيد عنها، ولم يسبق له أن عانى منها، ولأول مرة سيجد نفسه كائنا وسط جماعات متعددة، ولا يحظى فيها بالحنو المعهود للوالدين.

وهكذا يعاني أطفال السنة الأولى من المدرسة الأولية أو الابتدائية من نقص في الشهية، وانقطاع النوم، ونقص الوزن، نتيجة الجهد الذي يبذلونه أثناء توافقهم مع الجو الجديد، والتحاقهم بجماعة القسم والمدرسة.

ويتميز الدخول إلى المدرسة باكتشاف الحياة الاجتماعية، ولأول مرة وبصفة منتظمة ومستمرة، سيدخل الطفل إلى المجتمع وينتسب إلى جماعة من الأنداد تتجانس معه في العمر والقدرات الجسمية والعقلية، وتتاح للطفل الفرصة لإقامة علاقات من التفاعل مع هذه الكائنات التي تماثله.

وانطلاقا من السنة السابعة، ستلعب جماعة الأنداد أهمية أكبر في حياة الطفل أكثر من الأسرة، وسينصب انشغاله على البحث باستمرار على أصدقائه ليتنافس معهم، ويؤكد شخصيته في وسطهم.

وفي وسط هذه الجماعة سيضمحل التمركز الذاتي الطفو لي، وسينشأ الانسجام الداخلي، ويتمكن الطفل من التحاور والتعاون مع أصدقائه، وهكذا تجد العواطف (الغيرية) أرضية خصبة للتفتح.

لقد بينت الدراسات أن أطفال السادسة والنصف والسابعة يميلون تلقائيا إلى الجماعة، ويبدون الرغبة في اللعب مع الآخرين انطلاقا من منتصف السنة السادسة.

وفي الوسط المدرسي أكدت أبحاث علم النفس الاجتماعي على أهمية ديناميات الجماعة، باعتبارها وسيلة ناجحة لإدماج الطفل في جماعته والتخفيف من تمركزه الذاتي، فهي تهدف إلى التعليم عن طريق تنشيط جماعي يشارك فيه جميع الأطفال.

وهنا يلعب المعلم دورا هاما وأساسيا في إدماج الطفل مع أنداده وتمكينه من التوافق معهم، وفق الشروط التي تتمسك بها الجماعة، إن قدرة المعلم على التعامل مع الطفل كبديل للأب أو الأم  هو أمر هام في نمو شخصية الصغير، فهو يقوم بدور القدوة أو النموذج للصغار، فهم يمثلونه، وينطبعون بشخصيته، فالتلاميذ كثيرا ما يستعيضون عن اتجاهات آبائهم باتجاهات أخرى يستمدونها من المعلمين.

وهكذا يبدو دور المعلم عظيما من الجوانب النفسية والاجتماعية فضلا عن الجوانب التعليمية، فلكي يدمج الطفل في الجماعة، عليه أن يخلق جوا تربويا ونفسيا سليما في حجرة الدراسة، وذلك من خلال العلاقات التفاعلية بينه وبين التلاميذ بعضهم ببعض.

وفي إطار إدماج التلميذ داخل الجماعة ، ينبغي أن يتفهم المعلم نفسية هذا التلميذ، ويحسن معاملته، بحيث لا تتصف هذه المعاملة بالسخرية أو الزجر، فالموقف الجديد يتطلب كثيرا من الدقة في المعاملة، وكثيرا من الألفة والتقارب والانفتاح في الكلام والاتصال.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال