نظرية الرواية.. الانتقال بالمعرفة النظرية إلى أفق التحليل البنيوي الشكلي بوصفها أسلوبا في العمل ومنهجا لبناء النماذج والتصورات

إن نظرية الرواية ظلت بحاجة إلى النظر إلى الشكل الروائي الناجز، وإلى الإلمام بعناصره ومكوّناته، حتى جاء (لوبوك) فقدّم طرحاً لامعاً حول بناء الرواية في كتابه (صنعة الرواية) 1921 الذي يُعتبر تطبيقاً منهجياً لمبادئ جيمس على روايات عالمية لتولستوي وفلوبير وآخرين، وحيث يقصد بالشكل الروائي قدرة الكاتب على الإمساك بمادته الحكائية وإخضاعها للتقطيع والاختبار، وإجراء التعديلات الضرورية عليها، لتصبح تركيباً فنياً منسجماً يتضمن نظامه وجماليته ومنطقه الخاص.

وضمن هذه المحاولات طلعت نظرية الرواية بعدد من الخطط والمداخل التي ترى أنها أكثر ملاءمة لتحليل النص الروائي، باعتباره نمطاً خاصاً من الخطاب الأدبي، والتي سمحت بالتمييز بين المؤلف والراوي والشخصية، وبتحديد العلاقات المتبادلة بينهم.

ولكن هذه المقاربات التجزيئية للشكل الروائي لم تكن تفلح إلا في الكشف عن ملامح منعزلة من ملامح البناء الروائي، ولهذا ظلت قاصرة عن إدراكه في كلّيته. ولقد كانت عناصر الشكل الروائي من التنوّع والاتساع بحيث لا يمكن إدراكها كلياً دون اللجوء إلى الافتراض، واستعمال النظرة التجزيئية.

ولأن هذه المكوّنات الروائية بكل هذا التنوّع والتعقيد فإن الباحث قد اختار بعض قضايا الشكل في الخطاب الروائي وهي: الزمان، والمكان، والشخصية، لمعالجتها مطبّقة على الرواية المغربية، مع اعترافه المبدئي بأن هذه العناصر الثلاثة، على خصوبتها وأهميتها، لا تُغني عن معرفة العناصر الأخرى المتبقية، وبأن النتائج المستحصلة من دراستها لا تكون قابلة للتعميم، وبأن هذا الاختيار أملته رغبة في تلافي أحكام القيمة، لأن هذه القراءة التي يقوم بها الباحث لبعض عناصر الشكل الروائي تبتغي الانتقال بالمعرفة النظرية إلى أفق التحليل البنيوي الشكلي، بوصفها أسلوباً في العمل، ومنهجاً لبناء النماذج والتصوّرات، وليس كمعتقد أو دوغما.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال