النبي عليه الصلاة والسلام ذات مرة، وهذه القصة تُعَدّ شاهدًا واضحًا جداً، فقبيل معركة بدر أصدر النبي عليـه الصلاة والسلام توجيهاً لأصحابه: "لاّ تقتلوا عمي العباس" ( ورد في الأثر).
هكذا كان التوجيه، كلامٌ مختصر من دون تعليل لحكمة رآها النبي عليه الصلاة والسلام، فَمَنْ عمُّه العبّاس؟ عمه العباس مقيم في مكة مع المشركين، لكنه كان مسلماً سراً، وإسلامه في تكتُّمٍ شديد، لأن عمه العباس كان عيـن النبـي في قريش، فما من اجتماعٍ يجتمعونه، وما من أمرٍ خطير يتداولونه، وما من قرار يتخذونه إلا وكان العباس رضي الله عنه يبلّغه ابن أخيه محمداً صلّى الله عليه وسلَّم؟ لذلك فالنبي لم يفاجأ أبداً في علاقته مع قريش، ما من شيءٍ فعلته قريش إلا كان عند النبـي عليه الصلاة والسلام خبره؟
هذا الخبر لا بدَّ أن يصل إلى قريش، فالنبي إذا لم يقل هذا الكلام لقتل أصحابُه عمَّه العباس ظلماً، وهو مسلم، ولو أن عمه العباس أبى الخروج مع المشركين في بدر, ماذا يحصل؟ لا نكشف أمره، فالموقف عصيب ودقيق، فلذلك النبي قال: "لا تقتلوا عمي العباس" (ورد في الأثر).
صحابي ضعيف أخذ هذا النص، وقال: نحن نقتل آباءنا وأبناءنا وأخواننا، وينهانا عن قتل عمه، رآها عصبية، ولكن هذا الصحابي بعد أن كشفت الحقيقة، وعرف نزاهة النبي ومراده النبيل، وعرف إسلام عمه العباس، وكيف كان عيناً للنبي على قريش؟ وكيف أنه كان في أعلى درجات الذكاء والحكمة والحيطة والحذر؟
يقول هذا الصحابي: إنه بقي عشر سنواتٍ يتصدَّق، ويجاهد نفسه وهواه، ويعتق العبيد، لعلَّ الله يغفر له سوء ظنِّه بالنبي عليه الصلاة والسلام، مقام النبـوة مقامٌ رفيعٌ جداً، فمستحيل أن ينحاز النبي إلى أهله، وإلى بني جلدته، فالنبي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو معصوم.
فسيدنا عمر عزل سيدنا خالد, لحكمة رائعة رآها إنقاذاً للتوحيد، ومع ذلك لما اعترض هذا الرجل، ولم يبالي باعتراضه، وقال: أنت غضبت من أجل ابن عمك، ولا ضير عليك.
التاريخ يروي أن هذا البدوي الذي قال لسيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام: "أعطني فليس المال مالك ولا مال أبيك، النبي عليه الصلاة والسلام, قال: صدقت يا أخا العرب, إنه مال الله وزاده عطاء "، سيدنا عمر كان واقفاً، فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا الأعرابي، فهذا الإنسان تجاوز حده، فقال: "يا عمر، دعه فإن لصاحب الحق مقالاً". (ورد في الأثر).
تعلموا أيها الأخوة، إذا كنتَ رئيس دائرة، وجاء مواطن، وهو ثائر، وتكلَّم بكلمات قاسية، فلا تحاسبه على كلماته، وقل: "إن لصاحب الحق مقالاً".
لكن سيدنا عمر, كما قلت لكم من قبل: ليس بالخب، أي ليس من الخبث حيث يكون خباً، أي ماكراً خدَّاعاً، لكن ليس من السذاجة والبساطة أيضاً حيث يسمح لأحدٍ أن يحتال عليه، قال: لست بالخب، ولا الخب يخدعني، فكل إنسان كان يمدحه مديحاً كاذباً يبتغي أن يصل إلى قلبه، كان هذا الصحابي الجليل يرفض هذا المديح.
التسميات
عمر بن الخطاب