اجتهاد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في مسألة الأراضي الزراعية التي تأتي بعد الفتح

ليس مِن إنسان فيما أعلم, أشد ورعاً وطاعةً وانصياعاً لأمر لله عزَّ وجل من سيدنا عمر، ومع ذلك ما عطَّل عقله ولا مرة.

فالمعروف أن الجيش إذا فتح بلدة فهذه البلدة تُعدُّ من الغنائم، فلو أن أفراد الجيش توزعوا هذه الأرض، وهم مشغولون بالفتوح عن زراعتها، وإذا أرادوا أن يزرعوها ليسوا خبراء فيها.

فسيدنا عمر كان يرى أن الجيش الإسلامي إذا فتح بلدةً ينبغي أن يُبقِي الأرض بأيدي أصحابها، وأن يأخذ منهم خراجاً.

وقد عارض الصحابة الكرام هذا الرأي، لكنه أصرَّ على رأيه، منطلقاً مِن أن المصلحة والعقل يقتضيان أن تبقى هذه الأرض بأيدي أصحابها، وأن نأخذ منهم خراجاً، لأنهم أقدر على زراعتها، وأقدر على استغلالها، ونحن لسنا متفرغين لهذا العمل، فكان اجتهاده في هذا الموضوع سنةً سرت من بعده إلى يومنا هذا.

وكان أصحاب النبي عليهم رضوان الله حينما يعترضون عليه في هذا الاجتهاد الذي لم يسبق إليه، كان يقول: "إنما أقول رأيي الذي رأيته"، أي أن الطاعة التامة تعبِّر عن إيمان المرء، لكن النصيحة الخالصة تعبِّر عن أمانته وغيرته.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال