يوجد في دارفور مخزون كبير من اليورانيوم، وبها حفرة النحاس الشهيرة التي يقال إنها تمتلئ بكميات كبيرة جدًا من النحاس الصافي الخالص الذي لا يحتاج إلي تعدين لنقائه، كما أن بها جبال الحديد المعروفة، وبها العديد من المعادن الأخرى، وبها العديد من الثروات.
كما أن بها أكثر من 25% من ثروات السودان الحيوانية فيقال إن دارفور تمتلك قرابة الـ 30 مليون رأس من الماشية وهذا هو مربط الفرس.
فهذا الموقع المتميز جدًا وهذا التنوع المناخي وهذه الثروات المتنوعة والمتعددة كل هذا جعل دارفور مطمعًا للدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تنظر إلي المنطقة العربية والإسلامية باعتبارها مجرد محطة بنزين وموضع للثروات وموضع للهيمنة.
ومن هنا يجب أن نقرأ أزمة دارفور في إطار هذه القراءة التي تتعامل مع القضية من منظور الجيوبولتيك أو الجغرافيا السياسية، ولا يجب أن ينظر إلي الأزمة باعتبارها أزمة إنسانية اجتماعية أو أزمة بين العرب والأفارقة أو بين الجنجويد والميليشيات، وإنما يجب أن تقرأ الأزمة في إطارها المتكامل وفي سياقها الصحيح، ووفقًا لهذا الفهم وفي ضوء القراءة الصحيحة لملف الأزمة منذ الاحتلال البريطاني لدارفور الذي ألقي البذرة الأولي للأزمة عندما قام بعمل ترتيبات في دارفور لكي تخدم مصالحه.
فالثروات مثلا التي كان يحتاجها الاستعمار كان يتحرك في اتجاه دعم بعض المناطق ودعم بعض الأشخاص لكي يحقق مصالحه في نهاية المطاف، وعلي سبيل المثال نظام الحواكير الذي وضعه الاستعمار الانجليزي في دارفور.
فهذا النظام الذي تم بمقتضاه توزيع أراضي دارفور علي بعض القبائل حيث تم منح هذه الأراضي للقبائل الأفريقية بنظام الحكر لكل قبيلة وبذلك تم إخراج القبائل العربية من الدائرة، ثم سمح للقبائل العربية بما سمي نظام المراحيل وهو يعني وضع مسارات معينة للماشية التي تتحرك في اتجاهات معينة وصوب المرعي والماء.
المهم مع تقادم الزمن أصبحت الملكيات والحواكير والمراحيل التي وضعها الاستعمار البريطاني مستقرة وأصبحت ملكيتها هادئة مستقرة ولم يعد بمقدور أحد أن يغير هذا الوضع وعندما حدثت حالات الجفاف واتسعت علي أثره رقعة التصحر بدأت القبائل العربية تشعر، بالأزمة ولهذا عندما أرادت أن تتملك بعضا من الأراضي أدركت في وقت متأخر وبعد فوات الأوان أن هذا الوضع يستحيل تغييره.
والقبائل الأفريقية هي الأخرى معذورة فهي تملك الأراضي وتحتكرها منذ قرابة الثمانين عامًا فمن غير المعقول أن تفرط في ملكيتها، هذا الوضع بالقطع أوغر الصدور وأتعب النفوس ورآكم مرارات كثيرة ثم ازدادت المرارة عندما ازدادت حدة التصحر وبات من المستحيل علي القبائل العربية أن تسلك المراحيل بشكل طبيعي.
فمع انحسار الرقعة الزراعية صار الاعتداء علي أراضي ومزارع القبائل الأفريقية شيئًا يتكرر كثيرًا وتنجم عنه معارك كثيرة قد تؤدي إلي وقوع ضحايا وسقوط قتلي.
المهم أن الاستعمار هو الذي بذر بذور الأزمة عندما رتب الأوضاع وفقًا لمصالحه واحتياجاته ودونما اعتبار لحقوق الآخرين أو مستقبلهم أو مصلحتهم، ومن ثم نشأت النزاعات وتوالدت وتطورت واستفحلت.
يضاف إلي ما سبق نهب الثروات حيث تخصص المستعمر البريطاني بشكل خاص والغربي بشكل عام في الاستيلاء علي ثروات المستعمرات التابعة للإمبراطورية.
وهناك قصص كثيرة عن حجم الثروات المنهوبة التي قدرت بمئات المليارات من الدولارات، وحبذا لو أن أفريقيا قامت كلها بإقامة دعاوى ضد الدول الاستعمارية تطالبها بتعويض عن فترة الاحتلال وما أصاب الأمة من سرقة ونهب ومن ثم تعطل حالة التنمية مما ترتب عليه الفقر الشديد الذي تعيشه أغلب دول أفريقيا.
ولهذا فإن الاستعمار والقوى الغربية الاستكبارية له بوصلة واضحة تتجه دائمًا صوب البترول والثروات.
ولهذا فإننا عندما نفتح ملف ثروات دارفور ربما يعطينا هذا المؤشر الواضح لأسباب هذا الاهتمام الدولي حيث عودنا الغرب وعودتنا الولايات المتحدة الأمريكية أنها لا تتحرك إلا صوب المصالح وإلا إلي مواطن الثروات.
فالسودان كان هملاً حتى ظهر فيه البترول وكثرت فيه الثروات فأصبح مكانًا يبتغى، ودخل ضمن دائرة الاستهداف الأمريكي والغربي.
التسميات
نزاع دارفور