الفرق بين سم ديكارت سرا وغدرا وسم سقراط طوعا ورغبة.. الشهداء يبقون أحياء بأفكارهم التي طرحوها وشهدوا على صدقهم لها بموتهم من أجلها

إن قتل أو اغتيال أو نفي أو سجن المفكرين ليس جديداً، فهي طبيعة فكر مهزوم، يقاوم خطر تلاشيه بآليات التصفية والإلغاء للفكر الآخر.
إن عدم فتح الحوار هو اعتراف مبطن بهزيمة فكرية من أول الطريق.
إن الفرق بين موت ديكارت وسقراط أن الأول جُرِّع السم سراً وغدراً، والثاني جَرَع السم طوعاً ورغبة بدون خوف من الموت، وبدون محاولة فرار، فالخوف من الموت ليس له مبرر عند سقراط، ولكن الخوف هو من ارتكاب الخطأ.
يرى سقراط أن الموت لا يدعو إلى الخوف مطلقاً، فهو أحد حالتين: إما نوم أبدي بدون أحلام؟ أو نقلة الى حياة جديدة، وهي فرحة كبرى بالانتقال إلى حالة تطورية أكثر تقدمية في كل مستوى، ففي كلا الحالتين لايوجد مبرر للخوف من الموت..
وعندما شهقت زوجته باكية وهو يتجرع قدح السم صرخت ودموعها ملء وجنتيها: إنك تموت ظلماً وعدواناً وأنت من أنبل الناس، فما هذه الحياة المحكومة بالتناقضات، المشبعة بالظلم، إنهم يقتلونك بغير إدانة واضحة! قال لها يخفف أحزانها: أيرضيك أن يحكم علي بالموت مداناً؟ وإلا فما جدوى أهل الفكر في تمليح الجنس البشري.
هناك جدل محير في مصرع أهل الفكر، ولكن يبدو أن هناك آلية مهمة لاستنبات الأفكار، فالنبتة لا تخرج من الأرض بدون دفن الحبة فيها، ونحن نحزن على أصدقائنا بعمق حين نخسرهم بالموت إلى الأبد، والشهداء يبقون أحياء بأفكارهم التي طرحوها وشهدوا على صدقهم لها بموتهم من أجلها.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال