الدولة تقود الاقتصاد: نظرة ثاقبة على المذهب المركنتيلي وتأثيره على التجارة الدولية والاستعمار

نشأة المذهب المركنتيلي:

ظهرت بوادر المذهب المركنتيلي في القرن الخامس عشر في أوروبا، وازدهر خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. ويرتبط اسمه بكلمة "مركنتي" الإيطالية، والتي تعني "تاجر".

مبادئ المذهب المركنتيلي:

يرتكز المذهب المركنتيلي على مبدأين أساسيين:

1. ثروة الدولة تقاس بكمية المعادن النفيسة:

يؤمن المركنتيليون بأن ثروة الدولة تقاس بكمية المعادن النفيسة، خاصة الذهب والفضة، التي تمتلكها. كلما زاد احتياطي الدولة من هذه المعادن، زادت قوتها ونفوذها.

2. دور الدولة في توجيه الاقتصاد:

تُعتبر الدولة، وفقًا للمذهب المركنتيلي، المحرك الرئيسي للاقتصاد. تقع على عاتقها مسؤولية توجيهه نحو تحقيق أهداف محددة، أهمها:
  • تعزيز الصناعات المحلية: تشجيع إنشاء الصناعات المحلية لتقليل الاعتماد على الواردات، وخلق فرص العمل، وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
  • زيادة الصادرات وتقليل الواردات: التركيز على زيادة الصادرات لجمع المزيد من المعادن النفيسة، بينما يتم تقليل الواردات قدر الإمكان لحماية الصناعات المحلية.
  • الحفاظ على فائض تجاري: يسعى المركنتيليون إلى تحقيق فائض تجاري، أي أن تكون قيمة الصادرات أكبر من قيمة الواردات. يُعتبر هذا الفائض مؤشرًا على قوة وازدهار الدولة.

ممارسات المذهب المركنتيلي:

لتحقيق أهدافهم، لجأ المركنتيليون إلى مجموعة من الممارسات، تشمل:
  • فرض الرسوم الجمركية على الواردات: لجعل السلع الأجنبية أكثر تكلفة وحماية المنتجات المحلية.
  • تقديم الدعم المالي للصناعات المحلية: لمساعدتها على النمو والتنافس.
  • منح امتيازات تجارية للشركات التي تصدر منتجات محلية: لتحفيزها على زيادة الصادرات.
  • سن القوانين الصارمة لضمان جودة المنتجات المحلية: لحماية المستهلكين وتعزيز سمعة السلع المحلية في الأسواق الخارجية.

تأثير المذهب المركنتيلي:

كان للمذهب المركنتيلي تأثير كبير على الاقتصاد العالمي خلال فترة سريانه. فقد ساهم في:
  • نشأة الدول القومية: شجع المذهب المركنتيلي على تركيز السلطة والثروة في يد الدولة، ممّا ساعد على ظهور الدول القومية في أوروبا.
  • نمو التجارة الدولية: أدت ممارسات المذهب المركنتيلي، مثل فرض الرسوم الجمركية، إلى زيادة التجارة الدولية وتنوعها.
  • ظهور الاستعمار: سعى العديد من الدول الأوروبية، سعيًا وراء المعادن النفيسة والمواد الخام، إلى الاستعمار وفرض سيطرتها على أجزاء مختلفة من العالم.

نهاية المذهب المركنتيلي:

بدأ المذهب المركنتيلي يفقد بريقه في القرن الثامن عشر، مع ظهور أفكار جديدة حول الاقتصاد، مثل الرأسمالية والتجارة الحرة. وبحلول القرن التاسع عشر، تم التخلي عن المذهب المركنتيلي بشكل كبير، ليحل محله نظم اقتصادية جديدة.

ملاحظات هامة:

  • يُعدّ المذهب المركنتيلي من أهم النظريات الاقتصادية التي سادت في أوروبا قبل ظهور الرأسمالية.
  • على الرغم من انتهائه، إلا أن بعض أفكاره لا تزال موجودة حتى اليوم، مثل التركيز على دعم الصناعات الوطنية.
  • يُمكن اعتبار المذهب المركنتيلي مرحلة تاريخية مهمة في تطور الفكر الاقتصادي، وفهمها ضروري لفهم مسار التطور الاقتصادي العالمي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال