مفهوم تحييد الجسد في الصراع الفكري.. الرحلة الإنسانية لن تختم على طريقة فوكوياما بالديمقراطية السياسية والليبرالية الاقتصادية الغربية

لعل ديكارت لو بعث في أيامنا الحالية كان سيتمتع بوضع أوربا وكيف أينعت الثمرات التي وضعها هو وجيل الفلاسفة من القرن السابع عشر، وما وصلت إليه في الخلافات الفكرية، فالإنسان في الغرب لا يعذب من أجل أفكاره، ولا يقتل من أجل معتقداته تركاً أو اعتقاداً وتحولاً، كما أن الأرض الأوربية أصبحت إن شئنا أم أبينا ملجأً للفارين السياسيين، الذين يبحثون عن نجاة لجلودهم من محاكم تفتيش القرن العشرين، فالمسعري السعودي حمته بريطانيا وحين تدخلت السياسة فطيرته لكوبا وترينيدياد تدخل القضاء البريطاني فأعاده لضباب لندن، كذلك الحال مع الغنوشي والبيانوني في اسكتلنده وويلز.
كذلك الحال مع البيطار البعثي والحوراني الاشتراكي الذي آوتهما فرنسا، والعطار الذي يقضي بقية أيامه في سلام في آخن من حيث انطلقت الحملات الصليبية على الشرق الأوسط في القرون الوسطى، عظة للغافلين وآية للمتوسمين..
كذلك حققت الحضارة الصناعية ما هو أهم من إنتاج السيارات والطيارات من نقل السلطة السلمي، وتدخل أوربا الآن تحولاً مذهلاً لم يعرفه الجنس البشري من قبل وهو الاتحاد بغير طريقة نابوليون أو هتلر، فلم تعد ألمانيا فوق الجميع بل مثل الجميع، ولم يعد توحيد أوربا بمدرعات غودريان ومدفعية نابليون بل باتفاق المونتان لإنتاج الحديد المشترك في الوحدة الاقتصادية.
وحكام أوربا يجتمعون ليتحدوا بدون اجتياح أحد للآخر، وبدون أن يخسر أحد زعامة أو مالاً أو أرضاً.
ولا يعني هذا أن نهاية الرحلة الإنسانية سوف تختم على طريقة فوكوياما بالديمقراطية السياسية والليبرالية الاقتصادية الغربية، فالإنسان الغربي حقق الرفاهية والأمن الاجتماعي ولكنه لم ينجح في الطمأنينة الروحية بعد، أما نحن في عالم الأطراف والمحيط؛ فلا رفاهية ولا أمنا، بل رحلة الجوع والخوف والتيه و"الهولوكوست" إلى قرون طويلة، وذرارينا الين يولودون في السرق المنكوب ليس أمامهم إلا المجهول والانفجارات والمذابح الأهلية والحروب الطائفية وحكم البعث والعبث، ومؤامرات النصرانية والناصرية والشيع والتشيع والوقوف في ختنادق الزمن متجمدين عند خلافات طواها الزمن ونجترها دواء فات وقته وأصبح سما...
والرحلة طويلة أمامنا لنتعلم، ولكننا لن نخرج عن خط التحول التاريخي بحال، إنما هي المسافة الزمنية قرونا بين ذلك طويلة..

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال