الشك أداة معرفية للوصول إلى اليقين.. اعتماد المحاكمة العقلية سبيلا للفهم أكثر من الآراء المسيطرة. ما من وسيلة لقتل العقل مثل التقليد وإتباع آراء الآباء

كان ديكارت يطمح إلى الوصول إلى الوثاقة واليقين التي تتمتع بصلابتها الرياضيات، بحيث يؤسس بقية العلوم على هذه القاعدة من اليقين، وكان كتابه (المقال على المنهج) في إطار توليد اليقين من أرضية الشك.
كان الشك الذي استولى على عقل ديكارت كبيرا رهيبا، بحيث قاده إلى قطيعة معرفية مع عقلية العصور الوسطى؛ فشطَّب دفعة واحدة الآراء المسيطرة في المجتمع.
وشق الطريق إلى اعتماد المحاكمة العقلية سبيلاً للفهم أكثر من الآراء المسيطرة، فليس هناك من وسيلة لقتل العقل مثل التقليد وإتباع آراء الآباء، كما نعى ذلك القرآن على كفار قريش (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) ومضى به الشك كما حصل مع الإمام الغزالي سابقاً، حينما اهتزت عنده حتى الضروريات والمحسوسات.
كان يخاطب نفسه إذا كان كل الشعور موجوداً في المنام ولا يزيد المنام أن يكون وهماً كاملاً!! فما الذي يضمن لي أن لا تكون الحياة برمتها نوعاًً من الوهم الخادع على صورة منام كبير؟!
وإذا كانت الحواس تخدع، والمعرفة تأتي عن طريق الحواس، فكيف يتأتى لي أن أصدق هذه المعلومات المتدفقة إلى عقلي وطريقها هو الحواس؟! استمرت رحلة الشك حتى مرض الغزالي؛ فكاد أن يهلك كما روى في كتابه المنقذ من الضلال، وأما ديكارت فلم يمت ولكن دماغه كاد أن ينفجر في ليلةٍ حاسمة غيَّرت مجرى حياته بالكامل، في شتاء قاسي، وحرب الثلاثين عاماً الطاحنة تزهق أرواح الناس على الأرض الألمانية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال