السلطة ذات النوعية العالية.. جعل الآخرين يقومون بما يريده على الرغم من أنهم قد يفضلون العكس

السلطة ذات النوعية العالية:

تشير غالبية الافتراضات التقليدية حول السلطة، على الأقل في الثقافة الغربية إلى أن السلطة مسألة كم.
لكن مع أن بعضنا لديه قطعاً قدر من السلطة أقل مما لدى الآخرين إلاَّ أن هذا النهج التقليدي في فهم السلطة يتجاهل ما يمكن اعتباره أهم عامل على الاطلاق، ألا وهو (نوعية) السلطة.

فالسلطة تأتي في درجات مختلفة، والمؤكد أن من السلطة ماهو أقل شأناً ودرجة.
وسيحظي أولئك الذين يدركون معنى (النوعية) بوضع استراتيجي أفضل في الصراعات المريرة التي ستحتاج قريباً مدارسنا ومستشفياتنا وأعمالنا ونقاباتنا وحكوماتنا.

العنف الرسمي في المجتمع:

إن أحداً لا يشك في أن العنف - متمثلاً في مطواة بيد قاطع طريق أو في مقذوف نووي- يمكنه أن يجلب نتائج لايستهان بها.
والتهديد باستخدام العنف- متمثلاً في القانون – يكمن وراء كل تصرف حكومي، وتعتمد كل حكومة في النهاية على الجنود والشرطة في تنفيذ إرادتها بالقوة.
هذا التهديد الماثل أبداً باستخدام العنف الرسمي في المجتمع يساهم في سير النظام كما ينبغي، الأمر الذي يجعل في الإمكان تنفيذ عقود العمل العادية وتقليل الجرائم وتوفير الآلية اللازمة لتسوية الخلافات والنزاعات سلمياً.

وبهذا المعنى التناقضي يسهم التهديد المتخفي باستخدام العنف في جعل الحياة اليومية خالية من العنف.
غير أن العنف بصفة عامة لايخلو من عيوب هامة.
فهو يشجعنا على حمل ما ندفع به شرّه عنا أو يؤدي إلى انطلاق سباق للتسلح من شأنه زيادة المخاطر التي تهدد كل شخص.

القوة أو العنف الوحشي:

وحتى عندما يكون العنف (مجدياً) فإنه يولد مقاومة.. إذ إن ضحاياه أو الناجين منه يتحينون أول فرصة لرد الصاع صاعين.
بيد أن نقطة الضعف الرئيسية للقوة أو العنف الوحشي إنما تتمثل في عدم مرونته.
لذا فهو لايستخدم إلاَّ في العقاب.. إنه باختصار سلطة (Power) (متدنية النوعية).

الثروة سلطة متوسطة النوعية:

أما الثروة فإنها، على النقيض، أداة للسلطة أفضل من سابقتها بمراحل. فمحفظة النقود المتخمة (أكثر مواهباً) من العنف بكثير.
إذ فضلاً عن قدرتها على التهديد بالعقاب أو إيقاعه فعلاً يمكنها أيضاً أن تعرض مكافآت متدرجة تدرجاً حسناً – من الأجور إلى الرشاوي إلى العمولات، نقداً أو عيناً.
ويمكن استخدام الثروة بطريقة سلبية أو إيجابية، لذا فهي أكثر مرونة بمراحل من العنف. إذن، بوسعنا أن نصف الثروة بأنها سلطة (متوسطة النوعية).
أما أعلى نوعية للسلطة فتأتي من استخدام المعرفة.

السلطة والكفاءة:

حدث أثناء قيام الممثل شين كونري بأداء دور مرتزق بريطاني في فيلم تجري أحداثه في كوبا إبان حكم الدكتاتور باتيستا ان سأله من كان يقوم بدور قائد جيش الدكتاتور قائلاً: (أخبرني ياميجور عن سلاحك المفضل وأنا أحضره لك).
فأجاب كونري: (العقل المفكر).
إن السلطة ذات النوعية العالية لاتتمثل في السطوة فحسب.
إنها ليست مجرد المقدرة على إنفاذ ما يبتغيه المرء، أو جعل الآخرين يقومون بما يريده على الرغم من أنهم قد يفضلون العكس.

بل إن النوعية العالية تدل على أكثر من ذلك بكثير. فهي تعني الكفاءة- أي استخدام أقل قدر من موارد السلطة لتحقيق هدف ما.
إن المعرفة كثيراً مايمكن استخدامها لجعل الطرف الآخر يميل إلى خطتك بشأن عمل أوتصرف ما.
بل إنها يمكن أن تقنع الشخص الذي كان مصدراً لها.

المعرفة مصدر للسلطة الاجتماعية:

إذن فالمعرفة هي الأكثر تنوعاً من حيث الفعالية بين المصادر الرئيسية الثلاثة للسلطة الاجتماعية.
إذ يمكن استعمالها للعقاب والمكافأة والإقناع،  بل وللتحويل من النقيض إلى النقيض - كأن يتم استخدامها لتحويل العدو إلى حليف.
والأفضل من ذلك كله أن المرء يستطيع، عن طريق المعرفة الملائمة، التغلب على مواقف غير مرغوب فيها، تحاشياً لتبديد القوة (Force) والثروة في التصدي لهذه المواقف.

المعرفة ومضاعفة الثروة:

وتقوم المعرفة كذلك بدور المضاعف للثروة أو القوة... بمعنى أنها يمكن أن تستخدم إما لزيادة المتاح منهما أو لتقليل القدر المطلوب منهما من أجل تحقيق غرض ما.
وفي أي الحالين فهي تزيد الكفاءة.. وبذا تتيح لصاحبها إنفاق قدر أقل من (أوراق) السلطة في أي معترك.

يتوافر أكبر قدر من السلطة، طبعاً، لأولئك الذين بإمكانهم استخدام كل هذه الأدوات الثلاث عن طريق ربطها ربطاً حاذقاً بعضها مع البعض بالإبدال بين التهديد بالعقاب والوعد بالمكافأة والإقناع والتقصي.
واللاعبون المهرة في مضمار السلطة هم من يعرفون بالبديهة – أو بالتدريب – كيف يستخدمون ويربطون بين ما بأيديهم من موارد السلطة.
وعليه، لتقييم مختلف المتبارين في معترك السلطة – سواء اتخذ هذا المعترك شكل المفاوضـات أو الحـرب – من المفيد أن نتبَّين ما بحــوزة كل طرف من أدوات السلطة الأساسية الثلاث.

المعرفة والعنف والثروة:

إن المعرفة والعنف والثروة، ومابينهما من روابط، هي التي تحدد السلطة في المجتمع.
لقد ساوى فرانسيس بيكون بين المعرفة والسلطة إلاَّ أنه لم يَعْنَ بتحديد نوعية هذه المعرفة أو الروابط الهامة التي تصلها بباقي المصادر الرئيسية للسلطة الاجتماعية.
كذلك لم يتمكن أحد حتى الآن من التكهن بالتغيرات الثورية التي تحدث اليوم في العلاقات بين أدوات السلطة الثلاث المشار إليها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال