الوثنية في أواخر العصر الجاهلي كانت أقرب إلى التوحيد.. إيمان أوس بن حجر ووالطفيل الغنوي وممدوح الأعشى وحاتم الطائي بقدرة الله تعالى

فأوس بن حجر، يؤمن بقدرة الله على إنزال المزنـة في غير وقت المطر، وبطاقة الربّ، ويشير إلى عصيان الآخرين له، وشعورهم بمرارة هذا العصيان وشعوره بحلاوة الطاعة. ويذكر اتقاءه لله، ووقاية الله لما يصادف الإنسان، وأن الله اكبر من كل الأصنام التي يعبدها الناس .
والطفيل الغنوي يؤمن بأن الله هو القوي القادر الذي يسد الثغرات، ويصلح ما فسد، وهو وحده القادر على سد الثلمات، وهو الذي يجزي على خير الأفعال.
وممدوح الأعشى لم يكن يبغي بما فعل، وبما أسدى من الخير إلا وجه الله يتقرب إليه بهذا العمل الصالح، والشاعر يدافع عن أعراض قومه ويضع في خدمتهم لسانا قاطعا،ً ولا يبغي بما فعل منهم جزاءً أو ثواباً، وإنما ثوابه فيما يفعل على الله. والله قادر أن يذيق خصوم ممدوحه بأسه وهو يفرج الكرب وهو الرحمن، ويدعو إلى تقوى الله، وليس كتقواه شيء ويجاهر بنبذ الشرك. ويؤمن سلامة بن جندل بقدرة الله على إفقار الأغنياء ، ولم الشعث ومشيئته في كل شيء، وان الله هو القادر على النصر، وتصريف الأمور، ويشير حاتم الطائي إلى علم الله بالأشياء ويؤمن بالبعث والحساب، فالله يحيى الخلق بعد موتهم، وان كانوا عظاماً ويذكر عروة بن الورد غفران الرب للذنوب ويذكر النابغة الذبياني وقاية الله، وحفظه، ويسأله البقاء وبإهدائه الغيوث  البواكر، ويستجير به، فهو الذي يزيد الخير، ويصلح ما يأمر به، ويجمع  الشمل ويثمر الأموال، وان العبد  يقدم النذور لله سبحانه وتعالى.
وأما القسم بالله فهو جانب آخر من جوانب المعتقد الديني، الذي ارتسمت  معالمه من خلال إيمان الشعراء، وهو قسم له أبعاده الدينية، لما يترتب عليه من مسائل، وله أبعاده الذاتية لما يستشعر به الإنسان، وهو يؤدي هذا القسم، وله أبعاده الحسية لما يفعله في نفوس الآخرين، ويتركه في وجدانهم.
فزهير يقسم بالله ويؤكد قسمه خمس مرات وامرؤ القيس يقسم أربع مرات ، واوس بن حجر  يقسم ثلاث مرات وطرفة يقسم بالله مرة واحدة.
ويأخذ القسم شكلاً آخر عند بعض الشعراء، لأنهم يقسمون مثلاً بالله العزيز كما أقسم حاتم الطائي، أو بالذي لا يعلم الغيب غيره، أو بالذي تساق له الهدايا أو المؤمن العاذات بالطير كما أقسم النابغة أو برب المسجد الحرام،  كما أقسم قيس بن الخطيم أما الأعشى فيقسم بالبيت الحرام الذي تهوي إليه الإبل  من كل صوب، وبما تساق إليه من قرابين ورب الساجدات في العشيات وبمن جعل الشهور علامة ومواقيت.
أن هذا الإيمان، وبهذا الشكل المطلق، يمنح القارئ صورة عريضة لما  كان يسود الناس من معتقد، ويداخلهم من إيمان، لان هذا التحديد الواضح للقسم والتوثيق المؤكد لقدرة الله سبحانه وتعالى يضيق دائرة الشرك، التي تطالعنا من خلال الأخبار التي وصلت إلينا. ولا بد أن يكون الناس الذين يشاركون هؤلاء الشعراء معتقدهم يسلمون به ويخضعون لما يخضعون إليه من المعتقدات، وانهم يمثلون طائفة كبيرة، ويشكلون قاعدة واسعة وإلاّ لما ساد دواوينهم مثل هذا القسم، حتى اصبحوا يستخدمونه في المواضع التي يجدون أنفسهم بحاجة إليه، ويعتقدون  بأنهم عاجزون عن إثبات قدرتهم على ما كانوا يريدون التعبير عنه. وقد وجدوا  في هذه الوسيلة طريقاً موصلاً، وسلماً يرتقون به إلى الحقيقة التي تفصل بين قضيتين ولعل بعض قصائد النابغة في هذا المجال خير دليل على صدق هذه المقولة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال