طبقات الرواة في العصر الجاهلي.. الرواة الشعراء. رواة القبيلة. أبو ذؤيب راوية لساعدة بن جؤية الهذلي. طرفة بن العبد يروي للمرقش الأصغر

أقدم أنواع الرواة في العصر الجاهلي هم رواة الشاعر نفسه، فقد كانوا يلازمونه، ويأخذون عنه.

وهذه الملازمة ضرب من التلمذة، حيث يمارس الشاعر الناشئ مهنته المنشودة في المستقبل مبتدئا العمل على يد أستاذ، ثم أنه يعد ذلك ضربا من التدريب والمران، فضلا عن أنه يلتمس لنفسه أسباب الشهرة من جهة، والتعرف على الناس والأوساط الأدبية من جهة أخرى، مستغلا شهرة أستاذه لكي يختصر طريق المجد الشاق الطويل.

وتبرز في هذا العصر، أيضا، ظاهرة الشعراء الرواة، فقد ذكر صاحب الأغاني سلسلة من هؤلاء الشعراء الرواة الذين يأخذ بعضهم عن بعض، فقد بدأها بأوس بن حجر، وعنه أخذ الشعر ورواه زهير بن أبي سلمى المزني، وتتلمذ علي يد زهير ابنه كعب والحطيئة، ورويا شعره، وعن الحطيئة تلقّن الشعر ورواه هدبة بن خشرم، وعن هدبة أخذ جميل بثينة، وعنه أخذ كثير عزّه.

وتبرز ظاهرة الرواة الشعراء في قبائل هذيل، وبالأخص عند أبي ذؤيب، الذي كان راوية لساعدة بن جؤية الهذلي، وعلى هذا القياس توجد وشائج بين شعراء قيس بن ثعلبة، فطرفة يروي للمرقش الأصغر عمّه، ويأخذ عنه، ويروي هذا عن عمه المرقش الأكبر ويحتذي على شعره، وأيضا فإن طرفة كان يروي عن خاله المتلمس، وقد يجمع بين الشعراء الرواة سلوك في الحياة كالصعاليك أو الفرسان فيروي بعضهم لبعض.

ولم يكن الشعراء الجاهليون وحدهم يهتمون برواية هذا الشعر، بل كان هناك رواة القبيلة، وقد كان الشعر في القبيلة أثمن تراث فيها، يحتوي تاريخها وأمجادها، لذلك كانت القبيلة تقدّر للشعر أهميته وخطره، فكان الاحتفال بمولد شاعر جديد، أو نبوغه، يعد عيدا قوميا، يدخل ضمن أعرافهم الاجتماعية، بل كانت بعض القصائد والدواوين في القبيلة تعد من المعالم الثقافية البارزة في حياتهم.

وقد كانت معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي التي بلغت أبياتها عند بعض الرواة ألف بيت من أبرز أعمال التغلبيين، مما دفع د. يوسف خليف إلى اعتبارها نشيدا قوميا لتغلب، وظل اهتمام تغلب بالمعلقة يروونها صغيرا وكبيرا، حتى هجاهم بذلك أحد شعراء بكر، فقال:
ألهي بني تغلب عن كلّ مكرمةٍ -- قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يروونها أبدا مذ كان أوّلهم -- يا للرجال لشعر غير مشؤوم

ولا ضير في أن يكون رواة القبيلة هم رواة الشاعر نفسه، على أن يكونوا من أبناء القبيلة، لأن بعض رواة الشاعر قد يكونون من قوم أباعد، وكذلك إذا كان الرواة من أولاد الشاعر صليبة، فهم رواة قبيلة ايضا.
فهؤلاء جميعا يعدون من رواة القبيلة.

وقد أدرك كثير منهم الإسلام، وعاشوا في كنفه زمنا طويلا، مثل ابن عبيد بن الأبرص، وعلي بن علقمة بن عبدة، وكعب بن زهير، وعبد الرحمن بن حسان.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال