بالغ كثير من الباحثين عرباً ومستشرقين، في رسم صورة للعلاقات القبلية، متخذين من تعميم الأحكام أساساً للحكم على العصر.
فبدتِ الحياةُ في ذلك العصر من خلال تصويرهم، سلسلةَ حروبٍ متصلة، حمراء مصبوغة بالدم، حامية دامية، لا تهدأ نارها، ولا تخمد أوارها، هم دائما قاتلون مقتولون لا يفرغون من دم إلا إلى دم.
وصارت حياة الناس رخيصة تذهب بسبب كلمة، أو هفوة، أو بلا سبب، سوى السفاهة والعبث، لا يصحّ أن تجري الدماء من أجلها أنهاراً، والموت يبتلع الناس ابتلاعا، والعرب بطبيعتهم سريعو الانفعال، تثيرهم الكلّمة العارضة، وتفور مراجل غضبهم كأن الواحد منهم "وحش في قفص"، ويتوجه إلى المعركة بنداء عاطفي، أو قصيدة من الشعر الحماسي، فإن لم يجدوا عدواً من غيرهم قاتلوا أنفسهم.
يعتاد البدوي منذ صغره مشاهدة الحياة الملأى بالأخطار، فيعوّده أبوه ذلك عندما يحين دوره ،مما يدفعه إلى ازدراء كلّ ما يبعد عن العنف، ولا يفتح العربي عينيه إلا على تألق الأسنّة، ولا يسمع إلا صهيل الخيل، والتصايح بالحرب، ولم يكن لهم حمى يلجأون إليه إلا صهوات جيادهم، لذا ملأت الحروب آفاقهم، وأصبح الحديث عنها شغلهم الشاغل.
وكلّ من يجترئ على التقدم إلى منطقة غريبة، إنما يعرّض نفسه للقتل، أو السلب، على يد أولئك الأعراب الذين لا يعدون أن يكونوا أعداءه.
أما علاقة البدوي بالحضري فلم يكن يرى البدوي فيه إلا فريسة شرعية في سبيل الحياة، والحضري ينزل البدوي منزلة الوحش غير المقدور عليه بل أنه لم يستطع – بعلاقاته الاجتماعية – أن يسمو إلى مرتبة الحيوان الاجتماعي.
وحاول بعض الباحثين أن يقصروا رزق الأعراب على الغزو دون سواه، فتصوّروا أنهم كانوا يأنفون أن يرتزقوا من عمل غير السيف، أو يكسبوا إلا من أسنة الرماح.
فقد كان الغزو المسلح مصدراً للغنى يقوم به شرذمة على مجموعة من الناس، أو قافلة منعزلة، أو حملة واسعة يقوم بها عدة ألوف من المحاربين للحصول على الغنائم.
التسميات
حياة جاهلية