اجتماع قبائل بكر على نصرة بني شيبان في يوم ذي قار في مواجهة الفرس.. وصف الأعشى الانتفاضة القومية الكبيرة ومرارة الاحساس بالخيانة

يقع يوم ذي قار في اطار المنظور الذي يقع فيه يوم خزاز، فقد اجتمعت قبائل بكر كلها على نصرة بني شيبان، الذين واجهوا الفرس دفاعا عن كرامتهم، وامتناعا بوديعة الملك العربي، النعمان بن المنذر، بيد أننا قد نلمح في هذه المعركة طابعا قوميا أكثر شمولا، ضمن هذا الذي سجله ابن عبد ربه من أخبار يوم ذي قار، حين أشار إلى أن مئتي أسير من تميم، كانوا في بني شيبان، فلما التقت قبائل بكر على مواجهة الفرس، قال الأسرى التميميون لآسريهم الشيبانيين: أطلقونا نقاتل معكم، فإنا نذبّ عن دمنا. فقالوا لهم: فإنا نخاف ألا تناصحونا. فقالوا: دعونا نعلم حتى تعرفوا مكاننا وغناءنا.

ولعل هذا الموقف دون سواه هو الذي وضعه الأعشى نصب عينيه، حين رسم أبعاد طموحه القومي الأوسع. فقال يصف هذه الانتفاضة القومية الكبيرة:
وجند كسرى غداة الحنو صبحهم -- منا كتائب تزجي الموت فانصرفوا
جحاجح وبنو ملك غطارفة -- من الأعاجم في آذانها النطف
إذا أمالوا إلى النشاب أيديهم -- ملنا ببيض فظل الهام يختطف
وخيل بكر فما تنفك تطحنهم -- حتى تولوا وكاد اليوم ينتصف
لو أن كل معد كان شاركنا -- في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرف

وعلى الرغم من هذا الزهو الذي بعثه انتصار ذي قار في قصائد شعراء بكر، وقصائد الأعشى بوجه خاص، فإنها لم تخل من مرارة الاحساس بالخيانة، التي تجسدت في انسلاخ نفر ممن تربطهم بهم أواصر الدم، وانحيازهم إلى صفوف الأعداء، ولم تخل في الوقت نفسه من عمق الإحساس بصلابة أرض الانتماء، التي ظلت توفر الشعور بالاقتدار والكرامة.

وذلك هو منطلق الأعشى في أبياته التي خاطب بها صنيعة كسرى، قيس بن مسعود الشيباني:
أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد -- وأنت امرؤ ترجو شبابك وائل
أطورين في عام غزاة ورحلة -- آلا ليت قيسا غرقته القوابل
كأنك لم تشهد قرابين جمة -- تعيت ضباع فيهم وعواسل
تركتهم صرعى لدى كل منهل -- وأقبلت تبغي الصلح أمك هابل
أحدث أقدم

نموذج الاتصال