سفارة علقمة بن عبدة التميمي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني.. تحرير أسرى قبيلة بني تميم وتوطيد العلاقة بينها وبلاط الغساسنة

لعلقمة بن عبدة التميمي النجاح في ما سعى إليه، وهو الذي يقال له "علقمة الفحل" من سفاراته إلى بلاط الغساسنة.. وباعث تلك السفارة، وملخص تفصيلاتها هما "لما قتل الحارث بن أبي شمر الغساني المنذر بن ماء السماء، أسر جماعة من أصحابه، وكان في من أسر شأس بن عبدة في تسعين رجلاً من بني تميم، فما كان  من بني تميم إلا أن يوعزوا لشاعرهم علقمة بشد الرحال، والتوجه في سفارة إلى بلاط الغَساسنة، ايماناً منهم بالدور الذي يؤديه الشاعر في الأزمات القبلية والاجتماعية، الأمر الذي يعكس لنا مفهوم التفاعل بين الشاعر وقبيلته وهو مفهوم قائم على القيم الأصيلة التي ترمز إلى الشخصية الواحدة المتماسكة المؤمنة بأهدافها في الحياة.

كما كان علقمة، وغيره من شعراء ذلك العصر يؤمنون: أن من حق القبيلة على الشاعر أن يقف عليها موهبته الشعرية، ويؤدي مهمته كاملة  متى ما دعا إلى ذلك الظرف البيئي.

ونهض علقمة بواجب قبيلته، وسفر إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني، وأناخ ناقته على باب قصره، ودخل، وألقى على مسامعه قصيدته الرائعة التي مطلعها:
طحا بك قلبٌ في الحسان طروبُ بُعيْد الشبابِ عَصْرَ حانَ مشيبُ

وهذه القصيدة مع قصيدتين أخريين هنّ اللّواتي عدّهن ابن سلاّم "ثلاث روائع لا يفوقهنّ شعر".

فلمّا بلغ قوله:
وفي كلّ حيّ  قد خبطتَ بنعمة  فَحقَّ لشأسٍ من نداك ذنوبُ

فقال الحارث: نعم وأذنبه، ولما ختم مطولته بقوله:
فلا تحرمنّي  نائلاً عـن جناية فانّي امرؤ وسط القباب غريب

أمر الملك الغساني بإطلاق سراح شاس أخيه، وجماعة أسرى بني تميم فقد "أثارتْ قصيدةُ علقمة نخوة الملك وأطربته، وبذلك استطاع الفنُّ إلا يسَجل تأثيره الحاسم في قضايا السياسة".

ويبدو لنا أن نجاح علقمة في سفارته لم يقتصر على هذه النتيجة فحسب، ونحن لا نجانب الصواب إذا قلنا: إنّ علقمة نجح أيضاً في توطيد العلاقة بين قبيلته تميم وبلاط الغساسنة، محولاً الخصومة إلى ودّ، والنزاع إلى وئام.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال