تنتزع المدرسة الطفل من الوسط الأسري المألوف، ليس فقط من أجل تعليمه القراءة والكتابة والحساب فقط، بل لتعليمه أيضا الوقاية الصحية والمحافظة على البيئة والاطلاع على حقوق الإنسان وغير ذلك من القيم التربوية والأخلاقية. فهي بذلك تكمل دور الأسرة في تربية الأبناء.
لكن يظل توزيع المهام بين المدرسة والأسرة غير واضح، مما يجعل العلاقة بينهما تتميز بسوء الفهم الذي يستمد جذوره من تداخل الثقافات واختلافها ومن عوامل اجتماعية واقتصادية.
سوء الفهم الذي يترجم بانعدام الثقة بين الطرفين يمكن تفسيره كما يلي:
من جهة تشكك المدرسة في إمكانية تعاون الأسرة في البحث عن حلول لمشاكل التسيير والتدبير التي تعاني منها المدرسة.
ومن جهة أخرى تشكك الأسرة في دور المدرسة من خلال تحقيق الآمال التي تعلقها عليها.
فالأسرة تعبر عن رغبتها في أن يكون ابنها في صورة أحسن وضمان مستقبل محترم.
وتعرف أن المدرسة هي الوحيدة القادرة على القيام بذلك، ولكنها في نفس الوقت تشكك في ذلك لتدهور قيمة الشهادات والدبلومات في سوق الشغل.
إن الأسرة تسخر كل قدرتها المعنوية والمادية والأخلاقية لدعم تلقين المعارف والمهارات لأبنائها.
ومن المفروض أن تتأثر المدرسة بالتعلمات الأسرية ليس فقط في ميدان التكوين المهني ولكن أيضا في كل ما يخص الممارسات اليومية كطرق التدريس وطرق التقويم وغيره.
إن مرور الطفل بالمدرسة أمر ضروري تفرضه التطورات المجتمعية. وفي المدرسة يقضي الطفل جزءا مهما من حياته، فيها يتعلم وفيها يكبر وفيها يحيا.
وبما أن الطفل لا يفقد تأثير الأسرة على تعلماته المدرسية فإن مد جسور التواصل والتعاون بين الأسرة والمدرسة أمر ضروري يفرضه الهدف المشترك بينهما وهو تربية الطفل وتحضيره للمستقبل.
فالميثاق الوطني للتربية والتعليم ينص على أن "على الآباء والأولياء تجاه المؤسسة المدرسية واجب العناية المشتركة في التدبير والتقويم وفق ما تنص عليه مقتضيات الميثاق".(ص13).
ولهذا فإن الأسرة شريك أساسي للمدرسة، فهي تؤثر في المدرسة وتتأثر بها، ولذا هي عنصرفاعل في النسق التربوي.
ويؤكد الباحثون على أن للثقافة الأسرية تأثيرا كبيرا على تعلمات أبنائها. وأغلب الدراسات تؤكد على دور الفوارق الثقافية والأنماط التربوية بين الأسرة والمدرسة في تعلمات الأطفال.
الأسرة ذات المناخ الملائم وهي الميسورة في الغالب، لها من الإمكانيات الثقافية ما يؤهلها لمسايرة الثقافة السائدة بالمدرسة (شامبوردن وبروست Chamboredon et Prost 1973).
وفيما يخص التمدرس وفرص النجاح يؤكد هانسن (Hansen 1986) على أنه كلما كان الفرق واضحا بين النمط التربوي الأسري والنمط التربوي للأستاذ كلما كانت نتائج التعلم سلبية.
ويقول شارلو (Charlot 1992) أنه من الأكيد أن أغلب التلاميذ الذين ينتمون للأسر الفقيرة يعانون من صعوبات معرفية في المدرسة، وذلك ناتج عن تمثلهم لهذه المعارف ولدورها ولعلاقتهم بها. ويفسر لهير(1991) Lahire ذلك بالفوارق العميقة بين الثقافة السائدة داخل الأسرة لهؤلاء التلاميذ وثقافة تعلم هذه المعارف بالمدرسة.
التسميات
المدرسة والمحيط