أبعاد المؤسسة وصلاحيتها بين قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي وقانون تنظيم وتسيير المؤسسات السجنية

تقول الأستاذة آسيا الوديع في معرض إخضاعها الفصل 596 لمجهر القضاء الممارس: "إذا كان من حق الأسرة القضائية التعامل مع هذه الوظيفة الدخيلة على ثقافتنا و فكرنا التشريعي بالحيطة والحذر، وهي نفس المخاوف التي استقبلت بها عند غيرنا، فإن الملاحظ أن هذه الحيطة وذلك الحذر قد بلغا عند واضعي المشروع حدا يخشى معه إفراغ هذه المؤسسة من جوهرها.

ذلك أن المهام المسندة لقاضي تطبيق العقوبات لا تخرج عن مهام ذات صبغة إدارية موجودة، و تقتصر في مجملها على زيارة السجون ووضع تقارير بتلك الزيارة وهي موكولة إلى جهات أخرى أو أضيف في صياغة نصوصها و تشكيلتها تسمية قاضي تطبيق العقوبات، بينما لم تسند له أية صلاحية بالتدخل في هذه العقوبة و أساليب تطبيقها أو تأثير فعلي في مصير المدان.
  
يقول الأستاذ عبد الله الولادي رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان: "إن قاضي تنفيذ العقوبة المستحدث من طرف الفصل 596 معين من طرف وزير العدل وهو سلطة تنفيذية، لا يسمح معه بالجزم بحياد أعمال هذا القاضي، مما يتعارض مع نزاهة وحياد القضاء المتطلب في شروط المحاكمة العادلة".

ولا يتوفر قاضي تنفيذ العقوبة على القوة العمومية وعليه أن يطلبها من النيابة العامة دوما للقيام بمهامه، مما يؤثر على فعاليته وربما استقلاله، الشيء الذي يمس حق المتقاضي في محاكمة منصفة و عادلة".

ويقول ذ. محمد ليديدي: " لقد أتى المشروع بنظام قاضي تنفيذ العقوبات وهو شيء محمود لكن كان من الممكن تحديد صلاحيته لأن العبرة ليست بوجوده، ولكن بالصلاحيات المخولة ولاسيما في تخفيض العقوبة وفي الإفراج المقيد الآلي".

فما هو مدى استيعاب القانون الجنائي المغربي لمؤسسة قاضي تطبيق العقوبات ؟ وماذا عن الإمكانيات التي يخولها قانون السجون؟
إن تقييمات الفقه والقضاء للمؤسسة وصلاحياتها المحدودة تفيد عدم قدرة القانون الجنائي المغربي على استيعاب العقوبات البديلة.

فقد نص هذا القانون في فصله 24 على ما يلي: "تنفذ عقوبة السجن داخل سجن مركزي مع الانفراد بالليل كلما سمح المكان بذلك ومع الشغل الإجباري فيما عدا حالة ثبوت عجز بدني و لا يمكن مطلقا للمحكوم عليه بالسجن أن يشغل في الخارج قبل أن يقضي عشر سنوات من العقوبة إذا كان محكوما عليه بالسجن المؤبد أو قبل أن يقضي ربع العقوبة إذا كان محكوما عليه بالسجن المؤقت".

 ونص الفصل 28 على أنه: "تنفذ عقوبة الحبس في إحدى المؤسسات المعدة لهذا الغرض أو في جناح خاص من أحد السجون المركزية مع الشغل الإجباري في الداخل أو الخارج فيما عدا حالة ثبوت عجز بدني".

أما الفصل 29  فجاء فيه ما يلي: "تنفذ عقوبة الاعتقال في السجون المدنية أو في ملحقاتها مع الشغل الإجباري في الداخل أو الخارج فيما عدا حالة ثبوت عجز بدني".

وجاء الفصل  30 بالنص على ما يلي: "تبتدئ مدة العقوبة السالبة للحرية من اليوم الذي يصبح فيه المحكوم عليه معتقلا بمقتضى حكم حاز قوة الشيء المحكوم به".

و في حالة تقدم اعتقال احتياطي فإن مدته تخصم بتمامها من مدة العقوبة وتحسب من يوم أن وضع المحكوم عليه تحت الحراسة أو من يوم أن وضع رهن الاعتقال من أجل الجريمة التي أدت إلى الحكم عليه.

فلما لم يستسغ المشرع الجنائي المغربي إمكانية تشغيل المحكوم عليه بالسجن المؤبد في الخارج قبل قضاء عشر سنوات من العقوبة، ولا المحكوم عليه بالسجن المحدد إلا بعد قضاء ربع العقوبة وحيث تبنى إمكانية الشغل الإجباري في الخارج بالنسبة للمحكوم عليه بعقوبة حبسية (أي تقل مدة عقوبته عن خمس سنوات)، فإن هذه الأحكام الجنائية توضح أن فلسفة القانون الجنائي المغربي ما زالت بعيدة كل البعد عما آلت إليه علوم الجريمة والعقاب من تقدم اتجاه أهداف الإدماج و فلسفة حقوق الإنسان.

فإذا كان من الممكن تفهم خطورة الجريمة التي استلزمت الحكم بالسجن المؤبد و بالتالي خطورة المجرم و الرغبة في إبعاده عن المجتمع فإن الحكم القاضي بالعمل الجبري لا ينسجم والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي حرمت العمل الجبري الماس بالكرامة الإنسانية حتى بالنسبة لمعاملة السجناء.

و هكذا يكون على مشرع القانون الجنائي المغربي الجديد أن يراعي مبادئ حقوق الإنسان وأهداف الإدماج وإنسانية العقوبة بوضع الوسائل اللازمة بيد قاضي تطبيق العقوبات ليتمكن من الوصول إلى هذه الأهداف، وهي:
1- العمل المناسب و الأجر المناسب
2- العمل للمصلحة العامة
3- مراعاة التكوين العلمي و المهني للمحكوم عليه.
4- الإذن بالخروج للعمل بالخارج إلى غير ذلك من أشكال العقوبات البديلة التي عرفها القانون المقارن.

يقول ذ محمد ليديدي في هذا الصدد: "لا بد أن يكون للعقوبة السالبة للحرية هدف وغاية وهي الإصلاح والتأهيل وتسهيل عملية الإدماج.
وإذا كان المشروع لم ينص على ذلك صراحة، فبالإمكان تدارك ذلك عند تعديل القانون الجنائي الذي يتناول العقوبة والإحالة الواردة في مشروع المسطرة على قانون السجون هو بمثابة تبني للمبدأ.
والعقوبة إذا لم تخضع لتعديل فستكون في خلاف مع مفهوم العقوبة الإنساني و الإصلاحي..".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال