مرحلة الجهود الروائية الأولى: بين امتداد التراث وصدمة الحداثة
سمات مرحلة الجهود الروائية الأولى:
تميزت مرحلة الجهود الروائية الأولى، والتي تُعد امتدادًا للمرحلة التراثية الأولى، بسمات رئيسية:
- الارتباط بالتراث: اتّسمت الأعمال الروائية في هذه المرحلة بتأثرها الكبير بالتراث العربي، من حيث الموضوعات والأسلوب والبنية. فنجد في أعمال حافظ إبراهيم ("ليالي سطيح") والمويلحي ("عيسى بن هشام") ورفاعة الطهطاوي ("تخليص الإبريز في تلخيص باريز") ومحمد بن المؤقت المراكشي ("الرحلة المراكشية أو مرآة المساوئ الوقتية") صدىً واضحًا لحكايات ألف ليلة وليلة وسيرة عنترة وسيف بن ذي يزن ومقامات بديع الزمان الهمذاني ومقامات الحريري وكتابات ابن المقفع ("كليلة ودمنة") وابن بطوطة ("تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار").
- التواصل الحضاري: جسدت هذه الأعمال الروائية التواصل الحضاري والفني، وربطت الماضي بالحاضر. حيث استقى الرواد من ينابيع التراث ثراءً لغويًا وأدبيًا، وأعادوا صياغة القصص والحكايات القديمة بأسلوب عصري يتناسب مع ذوق القارئ الجديد.
التحديات:
لكن سرعان ما واجهت هذه الجهود الروائية الأولى تحديات جمة:
- صدمة النهضة والحداثة: أدت موجة النهضة والحداثة، وما صاحبها من انبهار بالحضارة الغربية، إلى حدوث قطيعة إبداعية وانفصام حضاري. حيث غلب على بعض الرواد التقليد الأعمى للأدب الغربي، دون تمييز بين شكلياته الخارجية وجوهره الفكري.
- التهافت على الجديد: ساد التهافت على الجديد الأدبي دون تمحيص، ممّا أدى إلى إهمال التراث العربي ثراءً ثقافيًا وفنيًا هائلاً.
- الانفصال عن الواقع: انفصل بعض الرواد عن واقعهم الاجتماعي والثقافي، ممّا أدى إلى ضعف تأثير أعمالهم وتفاعلها مع قضايا المجتمع.
النتائج:
نتيجة لهذه العوامل:
- تراجع الإبداع: شهدت الرواية العربية تراجعًا في الإبداع خلال هذه الفترة، وانحرفت عن مسارها الأصيل.
- فقدان الهوية: فقدت الرواية العربية هويتها المميزة، وأصبحت مقلدة للرواية الغربية دون تمييز.
- انقطاع التواصل: انقطع التواصل بين الحاضر والماضي على مستوى التخييل الحكائي والإبداع السردي.
ومع ذلك:
- لم ينعدم الإبداع: برزت خلال هذه المرحلة بعض الأعمال الروائية المتميزة التي حافظت على روح التراث العربي، مثل روايات جورجي زيدان وسليم البستاني وفرح أنطون.
- تمهيد الطريق: مهدت هذه الجهود الروائية الأولى الطريق لظهور الرواية العربية الحديثة في القرن العشرين، والتي استطاعت أن تُعيد للرواية العربية هويتها المميزة وتواصلها مع التراث العربي.
خاتمة:
- لا يمكن إنكار أهمية مرحلة الجهود الروائية الأولى في تاريخ الرواية العربية، على الرغم من التحديات التي واجهتها. فقد ساهمت هذه المرحلة في ربط الماضي بالحاضر، وإثراء الرواية العربية بِمُختلف العناصر الفنية والتراثية.
- ولكن من المهم أيضًا الاعتراف بأن صدمة الحداثة والانبهار بالأدب الغربي كان لهما تأثير سلبي على مسار الرواية العربية.
- فمن خلال التعلم من أخطاء الماضي، والاستفادة من ثراء التراث العربي، يمكن للرواية العربية أن تستمر في التطور والإبداع، وأن تُصبح عنصرًا هامًا في الحضارة العربية الحديثة.
التسميات
دراسات روائية