الرؤية السردية في رواية اللص والكلاب.. الرؤية من الخلف واستعمال ضمير الغائب والسارد المحايد الموضوعي الذي لايشارك في القصة كما في الرؤية من الداخل

تعريف الرؤية السردية:

الرؤية السردية هي مفهوم أدبي يشير إلى الطريقة التي يتم بها تقديم الأحداث والقصص في الأعمال الأدبية، سواء كانت رواية، قصة قصيرة، أو حتى فيلم سينمائي. تهدف الرؤية السردية إلى إيصال القصة والأحداث بشكل مثير وجذاب للاهتمام للقارئ أو المشاهد، وتعتبر أحد أهم عناصر السرد.

تعتمد الرؤية السردية على مجموعة من العناصر التي تتضمن الوصف، والشخصيات، والتوقيت، والتركيز، والتوتر، والتقنيات السردية الأخرى. تتعاون هذه العناصر جميعها لخلق تجربة سردية ممتعة ومثيرة للاهتمام.

الرؤية السردية في رواية اللص والكلاب:

تتميز رواية "اللص والكلاب" للكاتب نجيب محفوظ برؤيتها السردية الفريدة التي تُضفي عليها ثراءً فكريًا وأبعادًا فلسفية عميقة.

1. السارد العليم:

  • يعتمد محفوظ على السارد العليم في روايته، حيث يتولى السرد بضمير الغائب، ويُظهر معرفة مطلقة بأفكار الشخصيات ومشاعرها ودوافعها، حتى خفاياها الداخلية.
  • يشبه هذا السارد الإله الخفي، فهو يرى كل شيء ويعلم كل شيء، قادرًا على اختراق الزمان والمكان، كاشفًا عن مكنونات الشخصيات دون قيود.
  • يُتيح لنا ذلك كقراء الغوص في أعماق الشخصيات، وفهم دوافعها، وتفسير سلوكياتها، حتى تلك التي قد تبدو غامضة أو متناقضة.

2. الرؤية من الخلف:

  • يُوظف محفوظ تقنية الرؤية من الخلف ببراعة، حيث يرصد سلوكيات الشخصيات وتفاعلاتها دون التدخل في مجريات الأحداث أو إصدار أحكام مسبقة.
  • يُتيح لنا ذلك كقراء تكوين انطباعاتنا الخاصة عن الشخصيات، وتحليل دوافعها، وتقييم سلوكياتها، دون توجيه مباشر من السارد.

3. وظائف السارد:

يتعدد وظائف السارد في رواية "اللص والكلاب"، فبالإضافة إلى وظيفة السرد والحكي، نجد وظائف أخرى هامة، تشمل:
  • التنسيق بين الشخصيات: يُنظم السارد التفاعلات بين الشخصيات، ويُحدد تسلسل الأحداث، ويُنقل لنا حواراتها وأفكارها.
  • الوصف: يُقدم السارد أوصافًا دقيقة للشخصيات والأماكن والأشياء، مما يُساعد على خلق صورة ذهنية حية للقارئ.
  • النقد: يُمارس السارد دورًا نقديًا، حيث يُسلط الضوء على عيوب المجتمع المصري آنذاك، ويُشّخص الظلم الاجتماعي والطبقي المُتفشي.
  • الإيديولوجيا: يُعبّر السارد عن أفكاره الإيديولوجية من خلال نقد التجربة الاشتراكية والنظام الناصري، وكشف تناقضاته وخيانته للمبادئ الاشتراكية.
  • التقويم والتعليق: يُقدم السارد آرائه وتقييمه للأحداث والشخصيات، مما يُثري التجربة القرائية ويُحفز على التفكير.
  • الانفعال: يُشارك السارد مشاعر الشخصيات وأحاسيسها، مما يُضفي على الرواية طابعًا إنسانيًا عميقًا.
  • التأثير: يُسعى السارد إلى التأثير على القارئ من خلال طرح الأسئلة الفلسفية وإثارة مشاعر التعاطف مع الشخصيات.
  • تصوير المرجع الواقعي: يُجسّد السارد الواقع المصري بكل تفاصيله، مما يُضفي على الرواية قيمة تاريخية وثقافية هامة.

خاتمة:

تُشكل الرؤية السردية في رواية "اللص والكلاب" عنصرًا هامًا يُساهم في ثرائها الفكري وفرادة أسلوبها.
فمن خلال توظيف السارد العليم والرؤية من الخلف، يُتيح محفوظ للقارئ فرصة الغوص في أعماق الشخصيات وفهم دوافعها، وتكوين آرائه الخاصة حول الأحداث والقضايا المطروحة.
وتتعدد وظائف السارد بين السرد والوصف والنقد والتعبير عن الأفكار الإيديولوجية، مما يُضفي على الرواية أبعادًا فلسفية واجتماعية عميقة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال