التحليل التاريخى للأدب عند ماركس.. الفصل بين الفردية التكوينية والتميز الاجتماعي وجعل الأدب والفن من عناصر البنية الفوقية

التحليل التاريخى للأدب عند ماركس:

إن كل مجتمع - بحسب رؤية اليسار الثقافب - يتكون من بنية أساسية تشكل القاعدة الاقتصادية Economic Base ويشمل البنية الاقتصادية بما تحويه من الوسائل والأدوات التى تنتج بها نفسها وثروتها، وتحدد كذلك من الذى يمتلك هذه الوسائل ويتصرف فى تلك الثروة. وبنية فوقية Super structure تشمل كل ما هو ثقافى بالمفهوم الواسع للثقافة من عقائد وسياسات وفنون وآداب وأعراف وتعليم وقوانين.. وتلك البنية هى التى تحدد طرق التفكير وأساليب الحياة ونماذج السلوك التى تنشأ نتيجة الأساس الاقتصادي، من ناحية وتستخدم فى إنتاج وإعادة إنتاج هذا الأساس من ناحية أخرى.

الثقافة والأوضاع التاريخية:

تلك البنية - إذن - لا يمكن أن تكون واقعاً مستقلاً بذاته، بل أن الأشكال الثقافية إنما تنشأ دائماً فى أوضاع تاريخية محددة، وتخدم مصالح اقتصادية - اجتماعية معينة، وتؤدي وظائف اجتماعية مهمة كما يرى دوجلاس كلنر، فالثقافة لا تنفصل بأية حال من الأحوال عن الأوضاع التاريخية التى يختار بها البشر حياتهم ونظمهم المادية، ذلك أن العلاقات التى تتحكم فى الأنظمة الاقتصادية والمتمثلة فى علاقات الهيمنة والاستغلال والتبعية وما إليها فى أية مرحلة من مراحل التاريخ الإنساني هي التي تحدد بما لها من نفوذ وهيمنة الحياة الثقافية الكاملة للمجتمع بمتعدد مفرداتها ومختلف عناصرها.

الفردية التكوينية والتميز الاجتماعي:

وعلى الرغم من أن التحليل التاريخى للأدب الذى أراده ماركس يجعل الأدب والفن - وهما ضمن المركب الثقافي - من عناصر البنية الفوقية، فإنهما فى الوقت نفسه وثيقا الصلة بالبنية "الأساس"، فهما يجسدان الأيديولوجية، ليس هذا فحسب، بل إنهما يحولانها وربما يغيران مسارها ويعيدان تقويمها فى علاقة مساءلة مستمرة وجدلية لا تنقطع.

إن ثمة ما يمكن أن يكون علاقة حتمية ومباشرة بين عناصر البنية الفوقية (الثقافي) والبنية "الأساس" (الاقتصادي) تؤكدها دراسة كريستوفر كودويل للشعر الإنجليزى فى العصر الفيكتورى حيث يكرر فى ثنايا دراسته التحذير من الفصل بين الفردية التكوينية والتميز الاجتماعي فكل منهما وسيلة لتحقيق الأخرى.

الفهم التاريخي للأدب المعاصر:

ومن المستحيل فهم الأدب المعاصر ما لم يتم فهمه تاريخياً: أي في حالة "الحركة" حين يكون الأدب النتاج العضوي لمجتمع بأكمله وهو فى حالة الحركة العنيفة، بل إن الأدب والفن فى لحظة ميلادهما كانا عبارة عن انفعال جماعي، ولدا فى احتفال جماعي، ولم يكن ذلك الانفعال غريزياً غير مشروط بل إنه كان مشروطاً بحاجات الرابط الاقتصادي، وبهذه الرؤية يتم الربط الحتمي بين الشعر الإنجليزى والاقتصاد البرجوازي الرأسمالي فى مراحله المختلفة: العهد الاليزابيثي، اليعقوبى، البيوريتاني، الثورة الصناعية، الفيكتوري. الامبريالي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال