دوافع الهجمة الحوثية على السعودية.. أهمية العقيدة في بناء الأجيال والخريجين والجيوش وعناصر الأمن والمجتمع بأسره

لم يكن الانسان في يوم من الأيام ولن يكون بدون دين وعقيدة وفكر. حتى الذين يدعون أو يزعمون بأن عصور الأيديولوجيات كما يسمونها قد ولى، هؤلاء يتحدثون من فراغ، ويخوضون في البديهيات بالأحلام.
لقد جاءت الهجمة الحوثية على المملكة العربية السعودية في مفصل تاريخي مهم للغاية، لتصبح مثل الكثير من الدول التي تعيش اضطرابات أو مرشحة لذلك، كالجزائر والمغرب ومصر وتونس وغيرها. وهناك دروس هامة تستخلص مما حدث فمنها:
1- إن الضمانة الأكيدة والركيزة الأساسية لبقاء المملكة، هي الضمانة والركيزة التي تأسست عليها، كلمة التوحيد، والالتزام بمقتضى تلك الكلمة التي فرق الله بها بين الحق والباطل، والصحيح والخطأ، والإيمان والكفر. ومحاولة التنصل من تبعات ذلك الالتزام لن يجر سوى الفتن وراء الفتن، والويلات وراء الويلات. لقد تمكن المسلمون بكلمة التوحيد والعمل بمقتضاها من حكم نصف الكرة الأرضية في 50 عاما، وتمكنت الدولة السعودية من توحيد نجد والحجاز بكلمة التوحيد، ولن تستيطع المحافظة عليها بغير ذلك حتى لو كانت أساطيل العالم قاطبة في حمايتها.
2- إن الانسان الذي لا يربى على عقيدة راسخة لا يمكنه الوفاء بالتزاماته تجاه وطنه في أي ميدان كان، حتى لو جمع شهادات العالم. ومن هذا الانسان الجندي الذي يمثل خط الدفاع الأول لحماية الحدود من غوائل الأعداء وأطماعهم. فالصهاينة لم ينتصروا على العرب بقوة السلاح فقط، ولا بنوعية التدريب فحسب، بل بالأيديولوجية التي جعلته يصمد، بينما كان الجندي العربي يفر من ساحة القتال أو يجبن أو يقوم الضابط الذي كانت تحركه شهواته وغرائزه أكثر من الايمان بتعطيل دبابته حتى لا يذهب لجبهات القتال. وعندما تربى بعض الفلسطينيين على قيم الجهاد والاستشهاد استطاعوا تغيير المعادلة إلى حد كبير، ولو توفرت لديهم نوعية السلاح الصهيوني للقنوا الأعداء الدرس القاسي بتحرير الأرض في وقت قياسي، والانتهاء من هذه الغدة السرطانية.
3- يمكننا فهم النقطة الثانية من خلال الواقع في اليمن، وعلى حدود المملكة. حيث تمكنت مجموعة "عقائدية" يمثلها الحوثيون من الصمود طوال هذه الفترة، ولم تتمكن قوة دولة بقضها وقضيضها من التغلب عليهاو بالحسم العسكري. وهناك الكثير من الحالات التي أعجزت فيها مجموعات عقائدية دولاً كبرى. مما يؤكد على أهمية العقيدة في بناء الأجيال والخريجين والجيوش وعناصر الأمن والمجتمع بأسره.
4- إن ما يحصل في العالم من تغييرات تدفع باتجاه التدين، تثير الكثير من الأسئلة عن أسباب المحاولات المستميتة لعلمنة العالم الاسلامي من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه في الوقت الذي يعيد فيه الغرب الاعتبار للدين حتى في أكبر معاقل العلمانية فرنسا. فلماذا نعمل نحن عملها في بلادنا، وننخرط معها في حرب الاسلام من خلال إطلاق العنان للقرود والببغاءات للنيل من الاسلام ورجالاته في الصحف ووسائل الاعلام الأخرى؟ فلخدمة من يتم كل هذا؟ إنه خدمة لحوثيات أخرى قد تظهر هنا وهناك من الوطن سواء كان هذا الوطن المملكة أو غيرها.
5- تقع البلاد العربية ولا سيما دول الخليج بين دول أيديولوجية، الكيان الصهيوني، وإيران، وتركيا. فالكيان الصهيوني برر ويبرر اغتصابه لفلسطين بأسباب دينية، ويستمر في عدوانه بحيثيات يهودية، ويطالب المسلمين عرباً وغيرهم وغير المسلمين بالاعتراف بأنه دولة يهودية، وتزداد المفردات اليهودية في الخطاب السياسي للكيان الصهيوني يومياً. وإيران أعلنت منذ 1979م نفسها دولة شيعية وفق المذهب الجعفري، ومنذ ذلك الحين وهي تعمل بلا كلل ولا ملل على نشر التشيع في العالم ولا سيما الأقطار العربية. وقد نجحت في ذلك واستطاعت التمدد حتى في الفضاء الأكاديمي سواء في البلاد الاسلامية العربية وغير العربية أو بين الأقليات المسلمة في العالم بما في ذلك القوقاز والبلقان بشكل يزيد عن كونه ظاهرة إلى ما يشبه الحالة.
وتركيا أيضاً تتلمس موقع قدم لها في المستقبل من خلال البحث عن جذورها الاسلامية كايديولوجيا، فبدون ذلك لا يمكنها أن تعيد مجدها الغابر.
وفي الوقت الذي يعود فيه الدين للسياسة في المحيط الإقليمي والعالمي، تستثنى البلاد العربية من ذلك، وكأنها الوحيدة المستهدفة من خصائص القرن 21 وفي مقدمتها عودة الدين. فهنا تصحير ديني واضح في الدول العربية، وتمكين للأفكار والمذاهب المستوردة، ولقيم وطريقة حياة الآخرين، كما لو أن المنطقة العربية "أمريكا" جديدة، يعيش فيها هنود حمر، ولكن بدون عقيدة وبدون تاريخ وبدون ماض تليد.
6- إن تجهيل المسلمين ولا سيما السنة بدينهم، وإزاحة أهل الدين من مراكز الدولة ومؤسساتها التعليمية والسياسية والثقافية والعسكرية وغيرها، هو إيذان بالدمار والفناء وعلى كل المستويات. فبماذا نواجه أو نتعامل مع قوى عقائدية تزداد تمسكا بعقائدها يوماً بعد يوم، وتعود لجذورها بشكل متسارع لم يسبق له مثيل حتى في معاقل العلمانية كروسيا وفرنسا وإيطاليا التي رفضت نزع الصلبان من المدارس بناء على توصية من بروكسل. بينما تتعلمن المؤسسات  في بلاد العرب، قلب الاسلام النابض. لماذا؟.
سؤال يجب أن يطرحه الجميع سياسيين وأكاديميين واعلاميين ورجال تعليم وكل الناس، كل من موقعه والثغر الذي يقف عليه.
لا توجد هناك حلول استئصالية فقد ثبت فشلها على أكثر من صعيد. إن هجر الإسلام وعدله في الثروة والسلطة والقضاء والتعليم مؤذن بعودة الاحتلال البغيض لربوعنا وانتهاء الأمة، وغياب الأمن والآمان، وخراب العمران.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال