من الموضوعات التي استجدت في هذا العصر أن الشاعر أفرد مقطوعات أو قصائد مستقلة في وصف أطلال بعض القصور تاركا وصف الأطلال التي وجدناها في مقدمات مدائحه ومن هذه المقطوعات قول محمد بن يسير في قصر خرب:
ألا يا قصرُ قصر النوشجاني -- أرى بك بعد أهلك ما شجاني
فلو أعفى البلاء ديار قوم -- لفضل منهم ولعظم شاني
لما كانت ترى بك بينات -- تلوح عليك آثار الزمان
أكثر الشعراء من وصف الأمطار والسحب كما أكثروا من وصف الرياض ومناظرها الفاتنة ووصفوا مظاهر الحضارة العباسية وأكثروا من وصف الحيوان والطير والحشرات.
وعلى هذا النحو نفذ الشاعر العباسي من وصف الشاعر القديم للصحراء وحيوانها إلى وصف بيئته بجميع مظاهرها ومناظرها الصامتة والمتحركة.
وقد وصف وصفا دقيقا الأمراض والآفات التي انتابته، ويصور ذلك من بعض الوجوه قصيدة لعبد الصمد بن المعذل يصف فيها حمى اعترته وفيها يقول:
وبنت المنية تنتابني -- هدوا وتطرقني سحره
كأن لها ضرما في الحشا -- وفي كل عضو لها جمره
لها قدرة في جسوم الأنام -- حباها بها الله ذو القدره
وطورا ألقبها سخنة -- وطورا ألقبها فتره
وكذلك استقلت قصائد عن الرثاء ببكاء الشباب إذ لم تكن فيما سبق سوى بيت أو أبيات قليلة يقدمها الشاعر في بعض مراثيه أو مدائحه، ومن أروع القصائد التي استقلت بهذا الموضوع قصيدة محمد بن حازم وفيها يقول:
سقيا ورعيا لأيام الشباب وإن -- لم يبق منه له رسم ولا رطل
ليت المنايا أصابتني بأسهمها -- فكن يبكين عهدي قبل اكتهل
عهد الشباب لقد أبقيت لي حزنا -- ما جد ذكرك إلا جد لي ثكل
ومما استحدثوه من المراثي، بكاؤهم حين يخبو نور البصر ومن أكثروا من تصوير هذه المشاعر أبو يعقوب الخزيمي وكان قد أصبح ضريرا حين طعن في السن فقال:
أصغي إلى قائدي ليخبرني -- إذا التقينا عمن يحييني
أريد أن اعدل السلام وان -- أفصل بين الشريف والدون
اسمع ما لا أرى فاكره أن -- اخطئ والسمع غير مأمون
لله عيني التي فجعت بها -- لو أن دهرا بها يواتيني
لو كنت خيرت ما أخذت بها -- تعمير نوح في ملك قارون
وقد صوروا كثيرا من العواطف الدقيقة مثل التعاطف الرقيق بين الأب وبنيه وما يطوي فيه من الرحمة والبر والحنان، وحللوا كثيرا من المشاعر ومن ذلك شعور الزوج بالغيرة الشديدة على زوجته وما يجر ذلك عليهما من البلاء.
التسميات
أغراض الشعر العباسي