الغزل في الشعر العباسي.. الحب الأفلاطوني والحب العفيف البريء الذي يرتفع عن المادة والحس. الغزل الشاذ بالغلمان

الغزل في الشعر العباسي:

لقد اعتنى الشاعر العباسي بموضوع الغزل وتصوير عاطفة الحب الإنسانية التي كانت تخفق بأغانيها صباح مساء العيدان والطنابر والدفوف والمعازف من كل شكل مختلطة بأصوات المغنيات والمغنين على جميع صور الإيقاعات من الشدة واللين.

الغزل الماجن:

وشاع الغزل الماجن في هذا العصر وبلغ من حدته أن شاع الغزل الشاذ بالغلمان.
لقد أخذ مفكرو العرب ومتفلسفتهم يتحدثون عن العشق أحاديث فيها كثير من السمو والعمق وكأنهم أرادوا أن يكبحوا جماح الموجة المادية الحادة من بعض الوجوه.
فقد أورد المسعودي مجلسا ليحيى البرمكي تناظر فيه نفر من المعتزلة والمتكلمين وبعض أهل الملل والنحل في العشق وحقائقه وظواهره وعذابه وحرارته ولطافة صاحبه ورقته ورهافة شعوره.
يقول الدكتور شوقي ضيف: أن هذه المناظرة في رأيه ترمز بوضوح إلى ما كان في أيدي الشعراء من كلام عن الحب النقي البريء بالإضافة إلى ما ورثوه عن أسلافهم وخاصة شعراء نجد العذريين من الحب السامي الذي يوقد في القلوب جذوة لا تنطفئ ويندلع فيها جحيم من العذاب لا يطاق.

الحب الأفلاطوني:

من أجل ذلك نجد عند بشار وأبي نواس وغيرهما من المجان قطعا من الحب الأفلاطوني أو قل من الحب العفيف البريء الذي يرتفع عن المادة والحس من مثل قول بشار:
دعا بفراق من تهواه أبان
ففاض الدمع واحترق الجنان
كأن شرارة وقعت بقلبي
لها في مقلتي ودمي استنان
إذا أنشرت أو نسمت عليها
رياح الصيف هاج لها دخان

الغزل العفيف:

على أن سرعان ما ظهر شاعر تخصص بالغزل العفيف واشتهر به هو العباس بن الأحنف، وكان الشعراء في غزلهم العفيف والصريح الماجن يحرضون دائما على أن يملأوا معاصريهم إعجابا بدقائق معانيهم وطوائف أخيلتهم من مثل قول بشار:
أتتني الشمس زائرةً
ولم تك تبرح الفلكا

وقول مسلم بن الوليد:
أقر بالذنب مني لست اعرفه
كيما أقول كما قالت فنتفق
حبست دمعي على ذنب تجدده
فكل يوم دموع العين تستبق

وصف الخمر:

وقد اتسعت بوجه المحبين كما اتسع وصف الخمر، وكان القدماء يصفونها على نحو ما هو موجود عند الأعشى وعدي بن زيد العبادي، وأخذ وصفها يكثر في أواخر عصر بني أمية عند الوليد بن يزيد وأبي الهندي وأضاربهما.
وقد بلغت هذه الموجة حدتها في عهد الأمين إذ حوّل قصر الخلافة إلى ما يشبه مقصفا للخمور والمجون واتخذ أبا نواس نديمه، وكان يعكف على الخمر والمجون عكوفا يقترن بعجيج وحجيج وهجوم على مقدمة الأطلال القديمة طالبا إلى الشعراء أن يضعوا مكانها وصف الخمر المعتقة، صائحا بذلك صياحا كثيرا من مثل قوله:
قل لمن يبكي على رسم درس
واقفا ما ضر لو كان جلس
تصف الربع ومن كان به
مثل سلمى ولبينى وخنس
اترك الربع وسلمى جانبا
واصطبح كرخية مثل القبس
وتردد مع هذا الصباح في خمرياته مجاهرة بأنه يقترف ما يقترف من آثامه من دون تفكير في جنة أو نار.
ويرى الدكتور شوقي ضيف انه لم يكن زنديقا ولا شعوبيا إنما كان متحلل الأخلاق ساقط المروءة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال