يذهب الاتجاه الغالب فقها وقضاء إلى أن التزام الطبيب باحترام السر المهني لا يمنعه من أن يسلم لزبونه الشهادات الطبية التي يطلبها، على اعتبار أنه لا وجود لهذا السر في مواجهة المريض المعني بالأمر. وذلك خلافا لما ذهب إليه البعض استنادا على نظرية السر الطبي المطلق التي تجد أساسها في فكرة النظام العام ونظرية ضعف المريض وقصوره.
إن الأساس القانوني السليم للالتزام بالسر الطبي لا يقوم على فكرة النظام العام، وإنما على حماية مصلحة المريض وكذا المصلحة العامة المرتبطة بالصحة العمومية، ولا أعتقد أن تسليم شهادة طبية للمريض بحالته الصحية قد يضر بإحدى المصلحتين، باستثناء بعض الحالات النادرة، كتلك التي تقتضي فيها خطورة التشخيص إخفاءه عن المريض. كما أن فكرة اعتبار المريض قاصرا قانونيا هي مردودة على أصحابها، لأن المرض في حد ذاته ليس سببا مـن أسباب القصور المحددة قانونا على سبيل الحصر، في حين أن أحكام الأهلية من النظام العام.
وعليه فإن تسليم شهادة طبية للمريض لا يشكل إفشاءا للسرالمهني، وإنما هو التزام عقدي مفروض على الطبيب الذي لم يعبر صراحة عن رفضه قبل إبرام العقد الطبي، وذلك استنادا على الفصل 231 من ظ.ل.ع. الذي يجعل المتعاقد ملزما بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وليس بما وقع التصريح به فحسب.
ويوجد مع ذلك استثناءان لهذا الالتزام:
الاستثناء الأول هو مصلحة المريض، ذلك أنه قد يصاب شخص بمرض خطير يجهله ويجهل تبعاته ويطلب من طبيبه شهادة للإدلاء بها للغير، مع أن ذلك قد يلحق به أضرارا مأساوية، ففي هذه الحالة يتعين على الطبيب أن يرفض هذا الطلب، بل إنه يتحمل مسؤولية الأضرار الناجمة عن الاستجابة له.
أما الاستثناء الثاني فهو الطلب التعسفي للشهادات، بحيث يجوز للطبيب أن يرفض تسليم شهادات متعددة وبدون جدوى، كما هو حال المريض الذي يريد أن يضخم ملفه الطبي، فيطلب من طبيبه شهادة عن كل عمل أنجزه وعن كل معاينة أجراها . ذلك أنه إذا لم يكن من حق هذا الطبيب رفض تسليم شهادة جامعة تلخص مختلف هذه الأعمال والمعاينات، فإنه لا يكون ملزما بالاستجابة لطلب من هذا النوع.
لكن إذا كان هذا هو الحل الملائم بالنسبة للحالة التي يكون فيها المريض كامل الأهلية فماذا عن الحالة التي يكون فيها هذا المريض فاقد الأهلية ، أو ناقصها بسبب صغر السن أو عارض جنون أو سفه.
التسميات
الشهادة الطبية والسر المهني