إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: هل تعتبر الحالة الصحية لفاقد الأهلية أو ناقصها سرا بالنسبة لصاحب النيابة الشرعية عنه، أم يمكن لهذا الأخير طلب شهادة طبية تخص محجوره دون أن يواجه بمقتضيات السر المهني.
يجيب الفقـه الفرنسـي بـلا تـردد بأن السر المهني لا يسري بالنسبة للقاصر أو المريض عقليا في مواجهة من له النيابة القانونية عنه، على اعتبار أن معرفة حالته الصحية فضلا عن كونها عملا عاديا فهي ضرورية لشخص مكلف برعاية صحة وأمن محجوره، كما أنها تعتبر أداة للحماية التعاقدية لهذا المحجور.
وبما أن سلطة طلب الشهادة الطبية لم يعترف بها لصاحب النيابة القانونية إلا لمصلحة المحجور فإن هذه السلطة تجد حدودها في تلك المصلحة، وعليه يمكن للطبيب أن يتمسك بالسر المهني عندما تتعارض مصلحة النائب القانوني مع مصلحة محجوره.
لكن بالنسبة للنظام المغربي للنيابة الشرعية أو القانونية، فإن هناك فصلا بين النيابة في الشؤون الشخصية والنيابة في الشؤون المالية سواء فيمن يمارسهما أو في انتهائهما. ذلك أنه إذا كان للأب، وللأم الرشيدة عند وفاة الأب أو فقد أهليته، الولاية على شخص القاصر وعلى أمواله معا، فإن مهمة الوصي والمقدم تقتصر على إدارة الشؤون المالية للمحجور عليه ولا تتعداها إلى الشؤون الشخصية التي تعود النيابة بشأنها إلى العصبة بالترتيب المعمول به في الإرث، وعند التساوي باختيار الأصلح من طرف القاضي.
كما أنه إذا كانت الولاية المالية تنتهي مبدئيا بإتمام سن الرشد القانوني الـذي هوعشرون عاما، فإن الولاية الشخصية تنتهي حسب فقهاء المذهب المالكي بمجرد بلوغ الشخص عاقلا، بل إن أهلية الزواج ـ الذي هو شأن شخصي ـ نفسها مختلفة بحيث تكتمل في الفتى بتمام الثامنة عشرة وفي الفتاة بتمام الخامسة عشرة من العمر.
وعليه ما دامت الشهادة الطبية تتعلق بالحالة الصحية التي هي شأن شخصي، كما أنها تعد في نفس الوقت أداة لحماية المصالح المالية للمحجور، فإنه قد يحدث تنازع في الاختصاص بشأن طلبها بين الوصي أو المقدم باعتباره صاحب النيابة عن الشؤون المالية من جهة، وبين صاحب النيابة عن الشؤون الشخصية من جهة أخرى. كما قد يحدث نفس التنازع بين الأب أو الأم عند وفاة هذا الأب أو فقد أهليته أو الوصي أو المقدم من جهة وبين المحجور البالغ من جهة أخرى.
وأعتقد أنه ينبغي رفع التنازع الأول لصالح صاحب النيابة في الشؤون الشخصية، على اعتبار أن الجانب الشخصي للشهادة الطبية يغلب على الجانب المالي، وعلى اعتبار أن شخصية المحجور أهم من أمواله، حيث ينبغي أن تكون شؤونه الشخصية في خدمة شؤونه المالية لا العكس . وذلك طبعا باستثناء الحالات التي يكون فيها الغرض الوحيد ـ أو على الأقل الرئيسي ـ من الشهادة هو الحصول على منافع مادية كالشهادات المحررة بمناسبة حوادث السير.
أما فيما يخص التنازع الثاني فأعتقد أنه ينبغي التمييز بين شهادة الخلو من الأمراض المعدية المنجزة لأجل زواج المحجور الذي أتم الثامنة عشرة من عمره ولم يتم بعد العشرين وبين غيرها من الشهادات، بحيث يكون من غير المعقول أن نعترف للشخص بالحق في الزواج وأن نمنعه في نفس الوقت من تسلم شهادة طبية هي ضرورية لممارسة هذا الحق، في حين يكون من الأفضل بالنسبة لباقي الشهادات الطبية أن يعترف للطبيب بسلطة تقديرية في هذا الشأن على اعتبار أن البلوغ في حد ذاته ليس كافيا للدلالة على حسن التصرف وأن الأمراض لا تتطلب جميعا نفس العناية.
إن هذا الوضع يؤكد ما سبق أن نادى به أستاذنا أحمد الخمليشي من ضرورة تدخل تشريعي يلزم إسناد النيابة في الشؤون الشخصية والشؤون المالية لشخص واحد نظرا لارتباطهما كما يوحد سن الأهلية لممارسة الشؤون الشخصية بما فيها الزواج والشؤون المالية، خصوصا وأن مصالح القاصر مترابطة ومتداخلة، وإذا كان جزء منها يغلب عليه الجانب الشخصي والجزء الآخر يغلب عليه الجانب المالي فإن الثانية وسيلة حتمية لممارسة الأولى.
التسميات
الشهادة الطبية والسر المهني