تأثير الإنسان في الغلاف الحيوي في سوريا والوطن العربي في العصور القديمة.. الرعي الجائر والاحتطاب وقطع أشجار الغابات وحرقها ونحت التربة وتعريتها والتوسع العمراني العشوائي والتصحر

إن الوطن العربي يمتلك مدخراً وراثياً من التنوع الحيوي النباتي والحيواني، في اليابسة والمياه، حيث العالم النباتي (الفلورا Flora) من الأشجار والشجيرات والنباتات المختلفة، والعالم الحيواني (الفاونا Fauna) من الحيوانات المختلفة بما فيها الثدييات والزواحف والأحياء البحرية والبرمائية، إضافة إلى الطيور والكائنات الحية الدقيقة وغيرها.
وينتشر هذا التنوع الحيوي الكبير في بيئات متنوعة مناخياً صحراوية ومدارية وشبه مدارية ومعتدلة وغيرها، ومتنوعة تضاريسياً من جبال وهضاب وسهول ووديان الخ..، غير أنه وبسبب زيادة الضغط على هذه البيئات، وزيادة الرعي، الجائر والاحتطاب، وقطع أشجار الغابات وحرقها، وزيادة نحت التربة وتعريتها، والتوسع العمراني العشوائي، والتصحر، وزيادة تلوث الماء والهواء والتربة، واستنزاف الموارد الطبيعية، والاستغلال غير العقلاني وغير المنظم لها، وغيره، أضف إلى ذلك التغيرات المناخية وسيادة الجفاف لفترة طويلة من الزمن، إضافة إلى ما تتعرض له بعض هذه البيئات من كوارث طبيعية أو صنعية.
وبسبب كل هذه التأثيرات وغيرها الكثير فإن الوطن العربي بكافة بلدانه أصبح يعاني من تناقص كمي ونوعي في العالم الحيوي، وتراجع الذخر أو الغنى الوراثي بشكل عام.
وبالتالي فإن هذه التأثيرات السلبية أدت إلى خلل في التوازن البيئي، وإلى تعرض الكثير من أنواع الأحياء البرية والمائية لخطر الموت والانقراض.
وبالعودة للدراسات التاريخية والأثرية المتوفرة، نجد أن الوطن العربي كان في الماضي القريب أكثر غنى بالتنوع الحيوي مما هي عليه الآن، فقد كانت بلاد ما بين النهرين ووادي النيل غنية بمختلف أنواع الكائنات الحية، وفيها مارس الإنسان ولأول مرة حرف الصيد والجمع والرعي والزراعة، وعرف الاستقرار حيث بنى المدن وأشاد الحضارات.
وفي هذه المدن بنى الحدائق كالحدائق المعلقة في بابل، وحدائق مصر أيام الفراعنة.
ويقدر أنه أثناء حكم الفرعون رعمسيس الثالث 1198 - 1166 ق. م، تم إنشاء 514 حديقة لتأمين الرطوبة والظل والجمال، ولكن القطع المستمر للأشجار والتأثيرات السلبية للسكان أدى إلى تدهور البيئة والقضاء على غابات الصنوبر والبلوط وتخريب الوسط المحيط.
 ودلت التنقيبات الأثرية في موقع تل أبي هريرة على ضفاف نهر الفرات (في سورية)، أنه كان يقطن هذا المكان منذ 11 ألف سنة، مجموعة من الصيادين الجماعين، وحدث هنا صيد مكثف للغزلان استمر للقرون العشرة التالية، ولم يتوقف إلا عندما استنزفت قطعان الغزلان بشكل كامل، وصيد الغزلان هنا لم يكن موسمياً أو انتقائياً بل كان يتم صيد القطيع بالكامل، ومنذ ذلك التاريخ وطريقة الصيد الجماعي لقطعان الغزلان مستمرة في سورية والأردن والسعودية وشبه جزيرة سيناء.
وإذا كان القسم الأكبر من الشرق الأوسط يتألف حالياً من صحاري صخرية أو رملية جرداء تلظيها أشعة الشمس، فقد كانت سورية في وقت ما، تزود مصر بحاجتها من الأخشاب، وتزود روما بالنبيذ والزيت، وقد كان هناك وقت قام فيه هانيبعل بصيد الأفيال لجيشه في غابات شمال إفريقيا الفسيحة، وشجرة الأرز التي كانت تغطي ذيول سلاسل الجبال التي غدت الآن مقفرة.
وخشب الأرز كان عاملاً مهماً في تنشيط الحركة التجارية والبحرية للفينيقيين، الذين استعملوه في بناء أساطيلهم وفي تجارتهم مع الشعوب المجاورة لهم كالفراعنة، كما أن الفينيقيين قدموا خشب الأرز إلى الملك الأشوري سرجون الثاني لبناء قصره.
وقد بينت الدراسات التي تمت في سورية، أن الأشجار قاسية الأوراق كالسنديان والبلوط والزيتون والبطم والصنوبر، كانت موجودة في سورية منذ80 ألف سنة.
ولكن كثافة الأشجار في المنطقة كانت تتعرض للتغير بشكل مختلف من فترة لأخرى بحسب الظروف المناخية والتأثيرات الطبيعية والبشرية الأخرى.
وكانت الغابات في سورية تشغل حتى فترة قريبة 20 - 30 % من مساحة سورية، بينما هي الآن لا تشغل سوى2 - 3 % منها، وحال العالم الحيواني ليس بأفضل من حال العالم النباتي، حيث تعرضت الكثير من الحيوانات للانقراض أو هي مهددة  كلياً به، ومن هذه الحيوانات الغزال والخنزير البري والضبع والدب السوري والفهد والأسد والوعل والأخدري والفيل وفرس البحر والحمار الوحشي وغيره، ومن الطيور التي انقرضت أو هي مهددة بالانقراض نهائياً، النسر الذهبي والصقر والكدري والدراج والقطا والنعام والحباري وغيرها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال