الشهادة الطبية ونطاق السر المهني من حيث الأشخاص.. من غير المشروع أن ينقل الطبيب تشخيص حالة المريض لعلم الغير ولو لم يكن هذا المريض زبونه

إن موضوع الشهادة الطبية يهم المريض بالدرجة الأولى، لذلك فإنه يكون مؤهلا أكثر من غيره لتسلم هذه الحصيلة المؤرخة عن حالته الصحية متى كان كامل الأهلية (الفقرة الأولى)، الأمر الذي يطرح التساؤل بحدة عن صاحب هذا الحق في الحالة التي يكون فيها المريض فاقد الأهلية أو ناقصها (الفقرة الثانية).
غير أن الصحة ليست ظاهرة فردية خالصة  بالرغم من أنها تهم الحياة الخاصة، فصحة الفرد تهم أسرته (الفقرة الثالثة) مثلما تهم ورثته أيضا (الفقرة الرابعة).
لكن قبل أن نتناول مدى سريان السر المهني في مواجهة هؤلاء  الأشخاص، نشير إلى أن القضاء الفرنسي قد اختلف في شأن ما إذا كان التزام الطبيب بكتمان هذا السر يقتصر على علاقته بزبونه أم يشمل جميع ما وصل إلى علمه بمناسبة ممارسة مهنته سواء كان قد ائتمنه عليه أم لا.
لقد ذهب مجلس الدولة الفرنسي في قرار صادر عنه بتاريخ 7 فبراير 1994 في واقعة تخص طبيبا أعطى لأخيه خلال مسطرة طلاقه شهادة محررة على مطبوعته المهنية، تتضمن أن زوجة أخيه التي لم يقم بفحصها تحمل حسب معارفه الطبية علامات هستيريا عصبية، إلى أن "قيام الطبيب بإنشاء شهادة تتضمن تشخيصا طبيا محددا لحالة شخص ليس زبونا له يعتبر إفشاءا للسر المهني الذي يشمل  حسب الفصل 11 من مدونة آداب مهنة الطب كل ما وصل إلى علم  الطبيب بمناسبة ممارسة مهنته، أي ليس فقط ما ائتمن عليه وإنما أيضا كل ما رآه وما سمعه وما فهمه".
لكت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية ذهبت عكس هذا الاتجاه في قرارها  المؤرخ في 23 يناير 1996 معتبرة أنه "إذا كان الأطباء وكل الأشخاص المعتبرين بحكم حالتهم أو مهنتهم أو وظيفتهم الدائمة أو المؤقتة من الأمناء على الأسرار التي أودعت  لديهم ملزمون  بعدم إفشائها حسب  الفصل 378 من القانون الجنائي القديم، فإن هذا الالتزام لا يفرض إلا في العلاقات التي تربط الممارس للمهنة بزبونه".
وقد نقضت بذلك قرار لمحكمة الاستئناف  ببورج كان قد أدان من أجل جريمة إفشاء السر المهني طبيبا للأمراض العقلية سلم لزبونته في مسطرة طلاقها  شهادة تتضمن بأنه عالجها  من حالة اكتئاب ناجمة عن الشخصية المرضية لزوجها والذي يمكن وصف سلوكه بالسادية النفسية، وذلك في الوقت الذي لم يكن فيه هذا الزوج زبونا للمتهم.
وقد عرف ­هذا الموقف الأخير لمحكمة النقض انتقاد الفقه الذي اعتبره تفسيرا تضييقيا للسر، لأنه من غير المشروع أن ينقل الطبيب تشخيص حالة المريض لعلم الغير، ولو لم يكن هذا المريض زبونه.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال