تعريف الشهادة الطبية وتمييزها عن المؤسسات المشابهة.. سند مكتوب مخصص لمعاينة أو تفسير وقائع ذات طابع طبي

عرف غالبية الفقهاء الشهادة الطبية بأنها سند مكتوب مخصص لمعاينة أو تفسير وقائع ذات طابع طبي.
كما عرفها الأستاذ "أوبي" والأساتذة "بنو" بأنها سند مكتوب يشهد بمقتضاه طبيب بأنه أجرى معاينة ذات طابع طبي أو أنجز عملا طبيا.
في حين عرفتها الأستاذة "لارغوييي" بأنها الإشهاد الصادر عن طبيب بكل المعاينات الإيجابية والسلبية التي تخص الشخص المفحوص، والتي من شأنها التأثير بصفة مباشرة أو غير مباشرة على المصالح العامة أو الخاصة لهذا الشخص.
والذي يلاحظ على هذه التعريفات هو أن الأول منها أغفل نسبة هذه الشهادة إلى الطبيب باعتباره المختص بإنشائها، مثلما أغفل الحالة التي يضمنها هذا الأخير إنجازه لعمل مهني.
أما التعريف الثاني فقد أغفل الحالة التي يكون فيها مضمون  الشهادة تفسيرا أو تأويلا لواقعة ذات طابع طبي وليس مجرد معاينة لها.
وتنطبق هذه الملاحظة أيضا على التعريف الثالث، الذي أغفل  بالإضافة إلى ذلك الحالة التي يكون فيها مضمون الشهادة تثبيتا لأداء أو إنجاز عمل طبي.
وعليه يمكن أن نعرف الشهادة  الطبية بأنها سند مكتوب صادر عن طبيب بمناسبة ممارسته لمهنته، يشهد بمقتضاه بأنه أنجز عملا مهنيا أو بأنه أجرى معاينة إيجابية أو سلبية لواقعة ذات طابع طبي تخص الشخص المفحوص، كما قد يضمنه  تفسيرا أو تأويلا لهذه الواقعة.
وتختلف الشهادة الطبية بهذا المعنى عن وثائق طبية أخرى من شأنها أن تختلط بها بالنظر إلى صدورها أيضا عن الطبيب.
فبالرغم من كون بعض الفقه يرى في الشهادة الطبية تقرير خبرة مصغر، مثلما يرى أن من شأن تحرير متقن لهذه الشهادة أن يجنب إنجاز خبرة لاحقة بالنظر إلى وحدة المضمون التقني لكل منهما، إلا أنهما يختلفان مع ذلك من عدة جوانب.
 فمن جهة أولى يتم إنشاء الشهادة الطبية بطلب من المعني بها بناءا على العقد الذي يربطه بالطبيب الممارس للمهنة في إطار مؤسسة الطب الحر، وذلك  بخلاف تقرير الخبرة الذي يتم إنجازه بناء على أمر يصدره القاضي أو بناءا على توكيل من الأطراف، وعليه فإن غياب رابطة تعاقدية بين الشخص الذي أجريت لفائدته الخبرة وبين الخبير الوكيل عن أحد الأطراف أو المعين من لدن القاضي  يعتبر عنصرا مميزا للتقرير عن الشهادة.
وقد استند الفقه والقضاء في فرنسا على هذا الفارق الأساسي لاعتبار الخبير غير خاضع للالتزام بالسر المهني دونا عن منشئ الشهادة الطبية.
ومن جهة ثانية فإن التقرير المنجز في إطار الخبرة يتميز عن الشهادة الطبية من حيث أن الخبير ملزم عند إنجاز تقريره باتباع المسطرة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية أو قانون المسطرة الجنائية متى كانت الخبرة قضائية، أو باتباع الإجراءات التي حددها الخصوم متى كانت الخبرة اتفاقية، وذلك بخلاف منشئ الشهادة الذي لا يكون ملزما باتباع مثل هذه الإجراءات. 
ومن جهة ثالثة فإن تقرير الخبرة قد يكون شفويا  خلافا للشهادة الطبية، كما يستفاد من الفصل 60 من قانون المسطرة المدنية الذي  نص في فقرته الثانية على أنه "إذا كان التقرير شفويا حدد القاضي تاريخ الجلسة التي يستدعي لها الأطراف بصفة قانونية ويقدم الخبير تقريره الذي يضمن في محضر مستقل".
ومن جهة رابعة فإن الطبيب المنجز لتقرير خبرة يكون ملزما بأداء اليمين أمام السلطة القضائية  التي عينها القاضي الآمر بهذه الخبرة، متى كان هذا الخبير غير مدرج بجدول الخبراء، وذلك بخلاف الطبيب المنشئ  للشهادة.
 وتختلف الشهادة الطبية أيضا عن الرأي الطبي، سواء من حيث المضمون أو من حيث الشكل، إذ تكون الشهادة موضوعية وكتابية بالضرورة، بخلاف الرأي الذي هو شخصي، كما أنه قد يكون شفويا أيضا.
وتختلف هذه الشهادة كذلك عن الرسالة الطبية سواء من حيث الهدف أو من حيث الشخص الموجهة إليه.
ذلك أنه إذا كانت الشهادة الطبية تسلم مبدئيا للشخص المعني بها من أجل استخدامها في الإثبات، فإن الرسالة الطبية توجه على العكس من ذلك إلى الطبيب  المختص لأجل توضيح المعاينات التي أجراها مرسلها لفائدة  المريض، أو إلى أسرة هذا الأخير لأجل تقديم النصائح اللازمة للعناية به.
وإذا كانت الأستاذة  "لارغوييي" ترى أن من شأن الرسالة أن تتحول إلى شهادة متى خرجت عن  الوسط الطبي في الحالة  الأولى أو عن الوسط الأسري في الحالة الثانية لأجل استخدامها في الإثبات ضدا على مصلحة  المريض، فإن هذا الرأي يبقى محل نظر على اعتبار أن طبيعة التصرف تحدد عند إنشائه، ولا يكون من شأن التحريفات التالية على هذا  الإنشاء أن  تؤثر على تكييفيه أو طبيعته.
ورغم أن الشهادة والوصفة الطبيتين يلتقيان في أن كلاهما يعتبر كتابة صادرة عن طبيب بمناسبة مزاولته لمهنته، فإنهما مع ذلك يختلفان في أن الثانية لا تتضمن وصفا أو تأويلا لواقعة طبية أو تأكيدا لإنجاز مهني من لدن محررها كما هو شأن الأولى، وإنما تتضمن أمرا واضحا لمصلحة المريض بتناول دواء معين.
وتختلف الشهادة الطبية أيضا عن المنشورات التي يحررها الطبيب ولو انطلاقا من حالة فردية معينة، استنادا على أن الهدف من هذه المنشورات هو تقديم الطبيب لعمله وعلمه ونشره لدى العموم.
وأخيرا فإن الشهادة الطبية تختلف عن سجل العيادة أو المستشفى، من حيث أنه لا يسلم للمريض، كما أنه لا يتم إنشاءه بناءا على طلبه، وإنما يتطلبه السير المنتظم لعمل الطبيب في إطار من المشروعية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال