المعاينة الطبية الفعلية للشخص المعني بالشهادة الطبية.. يتعين على الطبيب قبل إنشاء شهادة طبية التثبت من هوية الشخص الذي تتم معاينة حالته

إن موضوع الشهادة الطبية لا يخرج عن كونه تقديرا للحالة الصحية للمعني بهـا  أو تأكيدا لإنجاز عمل مهني من لدن محررها[1].
وإذا كان من الواضح أن إنجاز العمل المهني المشهود به (زيارة، تلقيح...) لا يمكن أن يتم بدون معاينة فعلية للشخص الذي وقع إنجازه لفائدته، فإن تقدير الحالة الصحية  للشخص المشهود له، يجب أن يستند كذلك على فحص طبي شخصي يقظ وفق المعطيات الثابتة لعلم الطب.
لذلك فإن المعاينة الطبية الفعلية القبلية للشخص المعني بالشهادة تعتبر شرطا ضروريا لا يتردد المتخصصون في التأكيد عليه.
خصوصا  وأن الالتزام بالحذر الملقى على عاتق الطبيب يفرض عليه الاعتماد على معايناته الشخصية لا على معاينات عائلة المعني بالأمر أو تصريحات هذا الأخير، ولا على مجرد الحدس والتخمين.
ومن البديهي أن تكون هذه المعاينة لحالة شخص محدد، لذلك يتعين على الطبيب بمناسبة معاينته للشخص المعني بالشهادة أن يتثبت من هويته (اسمه الشخصي  والعائلي، تاريخ ميلاده، مقر سكناه، رقم بطاقته الوطنية إن وجدت...)، خصوصا  وأن القضاء المغربي  يرفض عن حق الاعتماد على شهادات طبية لا تثبت هوية صاحبها، كما هو شأن القرار الصادر عن المجلس الأعلى  بتاريخ 16 - 06 - 1998في الملف الشرعي عدد 418 / 2 / 1 / 96 [2]، والذي جاء في حيثياته: "وحيث بالاطلاع على الشهادة الطبية التي يستند إليها المطلوب في دعواه اتضح أنها غير مؤكدة لهوية الطاعنة رغم أنها تحمل اسمها ومع أن الطاعنة تمسكت في استئنافها بأن هذه الشهادة غير كافية في إثبات الدعوى فإن المحكمة أسست قضاءها بفسخ  عقد الزواج عليها ولم تفندها مع أن الأمر يقتضي التحري بإجراء بحث للتأكد من حقيقة تلك الشهادة ومن كون الحمل الذي كان بالطاعنة وضع في أقل أمده الشرعي أو في أمده، ولكي يتبين واقع أمر النزاع  فتحكم النازلة بما يقتضيه الفقه مما يعتبر معه القرار المطعون فيه منعدم التعليل ومما يعرضه بالتالي للنق".
ويقع هذا التثبت من هوية الشخص المفحوص بواسطة بطاقة تعريفه الوطنية[3] أو بطاقة إقامته أو جواز سفره، أما إذا لم يكن يتوفر على أي وثيقة تثبت هويته فيجب على الطبيب أن يشير إلى أن تلك المعلومات قد وردت بناءا على تصريحات زبونه[4].
وزيادة في الاحتياط أصبح بعض الأطباء يلجأون عن صواب في حالة عدم وجود البطاقة الوطنية إلى إلزام المعني بالأمر بضرورة إحضار صورة شمسية توضع على الشهادة ويوضع فوقها خاتم الطبيب، وذلك لتفادي الاحتيالات التي يمكن أن تقع في هذا المجال.
غير أنه واستثناءا مما سبق، قد يحدث أن يدعى الطبيب لتحرير شهادة استنادا على وثائق سابقة، ففي هذه الحالة يتعين عليه الإشارة كتابة إلى أن الأمر يتعلق "بشهادة محررة بناءا على مستندات" أو "بناءا على الوثائق المدلى بها".
كما قد يحدث أن يحرر الطبيب في المستشفى  شهادات طبية  استنادا على سجل المستعجلات الذي حرره بالليل الطبيب الداخلي أو الطالب المعاون المكلف بالحراسة، بحيث عليه أيضا أن يوضح في الشهادة بأن "السيد أحضر للمستشفى ب... كما هو مثبت في سجل المستعجلات، حرر بتاريخ... من طرف الدكتور ج"، أو يشير إلى أن الأمر يتعلق بنسخ للمستند المعني.
[1]- وحتى إذا كان يطلب من الطبيب أحيانا معاينة حالة لأجل تكييفها (ولادة، وفاة..) فإن هــذا لا يعتبــر موضوعا ثالثا وإنما يدخل في إطار الموضوع الأول على اعتبار أنه يتطلب فحصا أدنى ، مع ما يقتضيه  الأمر من تقدير علمي.
[2] - منشور بمجلة الإشعاع ، العدد العشرون، السنة الحادية عشرة،  دجنبر 1999، ص: 117 وما بعدها.
وإذا كان المجلس  الأعلى  قد فعل حسنا عندما رفض  اعتماد شهادة طبية لا تؤكد هوية صاحبتها فإن تأكيده على ضرورة الاستعانة ببحث يبقى محل نظر، خصوصا وأن محكمة الاستئناف المحال  عليها الملف ستكون مقيدة بهذه النقطة القانونية التي بث فيها المجلس. ذلك أن هذا القرار قد أكد على أنه كان على المحكمة أن "تفند" الشهادة الطبية، ومعنى ذلك أنه كان عليها أن تكذبها وتعتبرها غير صحيحة، فإذا فعلت ذلك فإن مآل الدعوى هو عدم القبول لانعدام وسيلة الإثبات، فلا يبقى ثمة أدنى مبرر لإجراء بحث بين الأطراف .
انظر تعليقا على هذا القرار للأستاذ رشيد مشقاقة: شواهد المجاملة  وأثرها على الحقوق، ما قيمة الشهادة الطبية في الإثبات، جريدة العلم، العدد 18197، الأربعاء 15 ذو القعدة 1420 الموافق لـ 22 مارس 2000، ص: 8 (صفحة المجتمع والقانون).
[3]- يمكنه استعمال الصيغة التالية: أشهد بأني فحصت السيد(ة)... صاحب(ة) بطاقة تعريف رقم... أو المعرف(ة) به(ها) من لدن السيد(ة)... صاحب (ة) بطاقة تعريف رقم. "انظر ذياب والجراية ومعتوق، مرجع سابق، ص: 17.
[4]- جاء في الفصل الأول من قرار صادر عن الهيئة الوطنية للأطباء  أوكل لرئيسها ولرؤساء المجالس الجهوية مهمة تطبيقه بعد نشره في نشرة الهيئة بأنه "يتعين على الطبيب قبل إنشاء شهادة طبية التثبت من هوية الشخص الذي تتم معاينة حالته.
إذا رفض  طالب الشهادة الكشف عن هويته أو لم يكن باستطاعته إثباتها فيجب على الطبيب أن يشير إلى ذلك في الشهادة موضحا (أنا الموقع أسفله... أشهد  أني فحصت... الذي صرح أن اسمه...)  .".
وقد اعتبر الفصل الثاني من نفس القرار مخالفة هذه المقتضيات خطأ مهنيا  موجبا للمسؤولية التأديبية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال