لمحة عن المشكلة المائية في الوطن العربي والعالم.. اختلال التوازن بين الموارد المائية المتاحة والطلب المتزايد عليها

لقد دأبت جميع الدراسات والأبحاث على التحذير من تفاقم أزمة المياه في الوطن العربي لأسباب متعددة ونذكر منها:
1- الظروف المناخية القاسية، حيث أن 70 – 80 % من مساحة الوطن العربي تقع في المناطق الجافة وشبه الجافة.
2- الوطن العربي يقع في منطقة تتميز بارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض الرطوبة النسبية، وزيادة التبخر من المسطحات المائية، ومن الأراضي الزراعية المروية، حيث تكون كمية التبخر أكبر من الأمطار في معظم أراضي الوطن العربي.
3- الوطن العربي يفتقر عموما إلى شبكات مائية كبيرة وأنهار دائمة الجريان.
4- الأنهار الكبرى التي تجري في الوطن العربي كالنيل ودجلة والفرات تستمد منابعها ومعظم مياهها من خارج أراضيه وهذا الأمر يؤثر سلبا على الأمن المائي العربي.
5- النمو السكاني المتزايد، والطرائق التقليدية في استخدام المياه في الوطن العربي، مما  يزيد من حدة هذه المشكلة، ويؤدي إلى انخفاض حصة المواطن العربي من المياه العذبة المتاحة باستمرار.
6- إن الدول العربية في معظمها تعاني، من نقص مصادر المياه الجارية المتجددة، وكذلك المياه الجوفية التي لا تكفي لتأمين حاجات المواطنين من مياه الشرب والمياه اللازمة للزراعة والصناعة والاستخدامات الأخرى.
 ويقدر إجمالي  الموارد المائية المتجددة المتاحة في الوطن العربي بنحو 340 مليار متر مكعب في السنة، وتتجدد هذه الموارد المائية بفعل الأمطار التي تهطل بشكل مختلف من منطقة إلى أخرى وبشكلٍ غير منتظم.
وبحسب التقديرات العالمية فإن حاجة الفرد من المياه، تبلغ 1700 متر مكعب في السنة، وهذه الكمية غير متوافرة في أي بلد عربي، باستثناء العراق الذي يقترب من هذا الرقم قليلا، أي نحو 1650 متر مكعب للفرد في السنة.
ويعاني من نقص المياه كل من لبنان، والمغرب، وسورية، وسلطنة عمان، حيث يتراوح نصيب الفرد من المياه فيها، بين 1000 إلى 1700 متر مكعب في السنة، أي أن هذه البلدان العربية الخمسة فقط هي فوق خط الفقر المائي.
بينما جميع البلدان العربية الأخرى تعاني من ندرة المياه، أي أن حصة الفرد فيها من المياه أقل من 1000 متر مكعب وهي تحت خط الفقر المائي.
ومن المتوقع زيادة العجز المائي العربي لأسباب كثيرة منها زيادة عدد السكان، واستنزاف المياه في الزراعة، وتلوث المياه، وعدم كفاية التنسيق والتعاون العربي في هذا المجال، وعدم كفاية المشاريع المائية المقامة كالسدود وقنوات الري، وعدم اتباع الطرائق السليمة في الري مثل الري بالتنقيط والرذاذ، أضف إلى ذلك الأطماع الأجنبية وسرقة المياه العربية من قبل إسرائيل وغير ذلك من الأسباب.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، ففي مصر مثلا يتناقص نصيب الفرد من المياه سنة بعد أخرى، فقد بلغ 1150 مترا مكعبا عام 1986، وأصبح 942 م3 عام 1994، وحوالي 800 م3  عام 2000، وهذا أقل من حد الفقر البالغ 1000 متر مكعب كما ذكرنا سابقا، ويقدر أن احتياجات مصر المائية سوف تقفز من 70 مليار متر مكعب عام 2000 إلى 140 مليار عام 2030 م بسبب زيادة عدد السكان في هذه الفترة.
وليس من الصعب إدراك أن تأمين هذه المياه ليس أمرا سهلا أو متاحاً. إن أغلب مصادر المياه القليلة أصلا في الوطن العربي يتم استخدامها بسرعة أكبر بكثير من قدرتها على التجدد، واختلال التوازن بين الموارد المائية المتاحة والطلب المتزايد عليها هو من أخطر التحديات التي تواجه الوطن العربي.
هذا ولا يتجاوز متوسط حصة الفرد العربي من المياه في مختلف المجالات 730 مترا مكعبا في السنة، وهذا المعدل هو دون حد الفقر المائي، وهو منخفض جدا بالمقارنة مع وسطي ما يستهلكه الفرد في العالم والبالغ نحو 13000 م3، بينما يبلغ نحو 18500 متر مكعب في الولايات المتحدة الأمريكية، ونحو 23000 في أمريكا اللاتينية.
ومع زيادة العجز المائي العربي كما هو متوقع فإن ذلك سيؤدي من دون أدنى شك إلى عواقب بيئية خطيرة، تنعكس سلبا على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والصحية وعلى مختلف مناحي الحياة الأخرى.
وإذا كانت الموارد المائية السطحية تشكل نحو 85 % من مجموع الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي، يصل منها نحو 60 % من خارج الوطن العربي. فإن المياه الجوفية تشكل نحو 15 % فقط من الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي.
وفي الوطن العربي توجد أحواض مائية جوفية إقليمية يبلغ عددها نحو 25 حوضا مائيا، منها أحواض واسعة الانتشار، يمتد بعضها إلى خارج الوطن العربي، وتشكل مخزونا مائيا مهماً.
وتلجأ بعض الحكومات العربية إلى سحب كميات كبيرة من مياه هذه الأحواض الجوفية، كما حدث في ليبيا حيث تم تنفيذ مشروع النهر الصناعي العظيم، الذي يهدف إلى مد مدن الساحل الليبي مثل طرابلس الغرب وبنغازي وطبرق بالمياه العذبة، والمصدر الأساسي لهذه المياه العذبة هو المياه الجوفية داخل الصحراء الليبية الجنوبية، ويقدر أن المخزون من هذه المياه يكفي لتلبية حاجات ليبيا من الماء لمدة تتراوح بين 50 و100 سنة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال