دور الجغرافيا في حماية الغلاف الجوي من التلوث.. دراسة مصادر وأسباب الاحترار العالمي واحتمال ذوبان الكثير من الجليديات وارتفاع مستوى مياه البحار

تدرس الجغرافيا تركيب الغلاف الجوي وبنيته الشاقولية، وأهميته، ومصادر تلوثه ونتائجه، وغير ذلك من التغيرات التي يتعرض لها باعتبار الظروف الجوية أحد أهم العوامل المحددة لمقدار تركيز الملوثات في الغلاف الجوي، كما أن للملوثات دور مهم في تحديد قيم العناصر الجوية، وبالتالي تحديد المعالم المناخية  للمناخ ألأصغري والمناخ العام.

والجغرافيا تهتم بالغلاف الجوي باعتباره أحد الأغلفة الجغرافية الهامة، وهو يتألف من خليط ميكانيكي من الغازات والعناصر الجوية التي تختلف في كميتها ودرجة ثباتها، ويعد الغلاف الجوي من الموارد الطبيعية الأساسية والمتجددة، ومكوناته هي أساس الحياة واستمرارها وتوازنها.

إن التلوث الجوي يعد من أهم مجالات البحث الجغرافي، والجغرافي يمكنه القيام بدراسة جوانب متخصصة في مشكلة التلوث تعد من صميم الدراسات الجغرافية، ولاسيما الجغرافية التطبيقية، ويمكن أن تفيد منها العلوم الأخرى، فهناك أشكال متعددة لما يمكن أن يسهم به الجغرافي في هذا الصدد، وذلك من خلال دراسته لاتجاهات الرياح وسرعتها، ودراسة التوطن الصناعي، وكثافة المرور، وغير ذلك من الجوانب التي يستطيع الجغرافي أن يسهم بها في دراسة مشكلة تلوث الجو، وتقديم دراسة شمولية متكاملة لأبعاد المشكلة البيئية الناتجة عن تلوث الجو وتغير عناصره.

إن دراسة تلوث الغلاف الجوي باعتباره أحد الأغلفة الجغرافية، ودراسة الآثار الناجمة عن هذا التلوث على الأنظمة الجغرافية المختلفة، وعلى صحة الإنسان باعتباره أحد أهم العناصر الحية في البيئة، وعلى المكونات التاريخية والروائع الفنية والثقافية التي أبدعتها الأيدي البشرية خلال الزمن، ودراسة مصادر الملوثات، سواء تلك المصادر الطبيعية كالحرائق الطبيعية، وثوران البراكين، والزلازل، والأعاصير، والفيضانات، والعواصف الغبارية وغيرها، أو الناجمة عن مصادر بشرية مصطنعة، كوسائل النقل، والصناعة والزراعة، وحرائق الغابات، والملوثات الإشعاعية، وغيرها، وتحديد أماكن انتشارها، وآلية انتقالها وسرعتها.

وعلى سبيل المثال دراسة انتقال الملوثات المسببة للأمطار الحمضية (من الولايات المتحدة الأمريكية إلى كندا، أومن بلدان أوروبة الغربية إلى أوروبة الشرقية والدول الاسكندنافية)، أو (انتقال المواد المشعة كما حدث إثر حادثة المفاعل النووي في تشرنوبيل سنة 1986حيث تحركت  في معظم الاتجاهات)، وأسباب ذلك وتأثيراته الجغرافية والبيئية المختلفة.

كل هذا يعد من صميم عمل الباحث الجغرافي وإن لم يكن حكراً عليه وحده بأي شكل من الأشكال.

وبحسب (ميلانوفا، ريابتشيكوف) فإنه من المهم جداً دراسة مشاكل تلوث الجو من مدخل جغرافي، وذلك لأن تلوث الجو يؤدي من جانب أول إلى تغير جميع عناصر المركب الطبيعي، ومن جانب آخر فإن طبيعة التلوث وشدته تتعلق بخصائص الشروط الطبيعية.

كما أن الجغرافيا تدرس التغيرات المناخية التي حدثت خلال الأحقاب الجيولوجية المتعاقبة، كارتفاع درجة الحرارة في الهولوسين أو حدوث العصور الجليدية، وكذلك دراسة تلك التغيرات المناخية ذات الصفة الدورية - كل 20 أو 40 أو 100 سنة- والتي تمثل انعكاساً لعوامل فلكية معينة.

كما تدرس تأثير زيادة التأثيرات البشرية المصطنعة  في مختلف عناصر الغلاف الجوي خاصة الأوزون (O3)، والأيونات، وبالأخص محتوى طبقة التروبوسفير من هذه العناصر، حيث تؤدي إلى خلل في محتوى الهواء من هذه العناصر.

والجغرافيا تهتم أيضاَ بدراسة درجة الاحترار العالمي (عامل الدفيئة)، والتي ازدادت بوضوح في الفترة الأخيرة من القرن العشرين، وكان انبعاث الكربون هو السبب الرئيس في ذلك، حيث إن تركيز أكاسيد الكربون في الغلاف الجوي بلغ أعلى مستوى له، وبالرغم من صعوبة تحديد تأثير ذلك على تغير المناخ العالمي فإن الكثير من العلماء والهيئات العلمية العالمية رأت أن مثل هذا التأثير محتمل بشكل جدي وكبير.

والجغرافيا يمكنها أن تسهم بشكل كبير في دراسة مصادر وأسباب الاحترار العالمي، ودراسة وتحليل النتائج والآثار المترتبة على ذلك، ومن هذه النتائج مثلا، احتمال ذوبان الكثير من الجليديات، وارتفاع مستوى مياه البحار بمعدل يتراوح بين 15 - 95 سم حتى نهاية القرن الحالي (القرن 21)، وهذا سيؤدي إلى حدوث طغيان مياه البحار على السواحل مما يجعل ملايين الناس من سكان الجزر البحرية والمناطق المنخفضة لاجئين بيئيين، ويسبب تأثيرات مختلفة في الحياة البرية والمائية.

ويعتقد أن زيادة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو قد يؤدي إلى حدوث تطرف دراماتيكي في حالة الطقس، وحدوث العواصف والأعاصير وتعطيل ملحوظ في الأنظمة البيئية العالمية، مما يسهم في تسريع انتقال الأمراض المعدية كالملاريا والكوليرا وربما ظهور أمراض وأوبئة جديدة لم تكن معروفة سابقا، والتغير المناخي يؤدي إلى حدوث تفاقم في مشكلة نقص المياه في المناطق الجافة وزيادة حدة التصحر، كما هو الحال في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك حدوث ضعف وتراجع في القدرة الإنتاجية الزراعية في الكثير من البلدان ولاسيما تلك البلدان الأكثر فقراً في العالم.

إن استمرار زيادة تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وخاصة ثاني أكسيد الكربون سيؤدي ليس فقط إلى حدوث تغيرات مناخية، وإنما إلى حدوث تغيرات في البيئة عامة مثل هطول المزيد من الأمطار في العروض العليا، وتزحزح نطاقات الغابات ذات الأوراق الدائمة الخضرة نحو الشمال، وبالتالي حدوث الفيضانات وزيادة نحت التربة وتعريتها وحدوث خلل معين في جميع الأنظمة الجغرافية الطبيعية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال