دور الجغرافيا في حماية الموارد المائية وترشيد استغلالها.. دراسة سبل وطرائق تأهيل هذه المصادر المائية وإعادتها إلى وضعها الطبيعي

تعكف الجغرافيا على دراسة المياه دراسة شمولية متكاملة، حيث تدرس الغلاف المائي كله، وتوزع المياه وكميتها المالحة والعذبة، واحتياطي المياه ومدى كفايتها، ودراسة التوازن المائي، ومصادر المياه والدورة المائية - الكبرى والصغرى -  ومعرفة أي تغير تتعرض له هذه الدورة، وارتباطها بكافة عناصر الغلاف الجغرافي (Geosphere) وانعكاس ذلك على الدورات الطبيعية الأخرى، وبالتالي على جميع مظاهر الحياة.

والجغرافيا تسهم في دراسة العلاقة المعقدة بين الغلاف المائي ومختلف عناصر الوسط المحيط، الحية والجامدة، ومدى تأثير الإنسان في الدورة المائية من خلال عمليات الري المختلفة، وتحويل مجاري الأنهار وبناء السدود والخزانات المائية الضخمة وغير ذلك.

وتسهم في دراسة الأحواض المائية النهرية بما في ذلك تلك الأحواض المشتركة بين الدول وحل النزاعات المتعلقة بذلك.
وتدرس العلاقة بين توزع المياه وتوزع السكان، وضمان الإدارة المتكاملة للأراضي والمياه.

وتقوم الجغرافيا بدراسة العوامل الجغرافية الطبيعية والبشرية المعاصرة، التي أدت إلى حدوث تغير في النظام الجغرافي للأحواض النهرية، وحدوث جفاف دائم، أو مؤقت للأنهار الكبيرة أو الصغيرة أو فروعها أو البحيرات في أي مكان من العالم، ودراسة سبل وطرائق تأهيل هذه المصادر المائية وإعادتها إلى وضعها الطبيعي، كجفاف بحر آرال في آسيا الوسطى، حيث يعد من الأمثلة الواضحة لحدوث خللٍ بيئيٍ بلغ حد الكارثة، والسبب في ذلك الاستخدام غير الصحيح لمياه نهري سرداريا وأموداريا مما أدى إلى تناقص ثم انعدام المياه التي تغذي هذا البحر.

وكذلك دراسة تغير مستوى البحر الميت وأثر العوامل الطبيعية والبشرية في التغيرات الإيكولوجية التي يتعرض لها هذا البحر، كتناقص مساحته من 1000 كم2 إلى نحو 700 كم2 خلال فترة قصيرة، وكذلك دراسة التأثيرات والعواقب البيئية السلبية التي يمكن أن تحدث من جراء تنفيذ أي من المشاريع المقترحة لوصل البحر الميت بالبحر المتوسط أو البحر الأحمر.

وقس على ذلك في سورية حيث تعرضت الكثير من الأنهار كنهر بردى وبحيرتي العتيبة والهيجانة، ونهر قويق وغيره، إلى جفاف دائم أو مؤقت، وإلى خلل بارز في التوازن البيئي لهذه المصادر المائية.

ويظهر دور الجغرافيين الجلي على سبيل المثال، في حماية الطبيعة بشكل عام والمياه بشكل خاص عندما تم الأخذ  برأيهم عام 1986 في الاتحاد السوفييتي (السابق)، في وقف عملية تحويل مجارى الأنهار من المناطق الشمالية إلى المناطق الجنوبية، بحيث ترك القرار النهائي للجغرافيين في هذا الشأن.

إن الأنهار الصغيرة دائمة الجريان تتراوح أطوالها عادة من بضعة كيلو مترات إلى بضعة عشرات الكيلومترات، ومساحة حوض كل منها لا تتجاوز 2000 كم2، وهذه الأنهار هي من أكثر الأشكال المائية انتشاراً على سطح اليابسة، وهي تغطي مساحات واسعة من الجبال والهضاب والسهول، ومعظم الأنهار الصغيرة تشكل الجزء العلوي في نظام الجريان النهري، وهي بهذا تشكل الأساس في البيوسينوز.

 وتعد الأنهار الصغيرة من الموارد الطبيعية الهامة، و لها دور حاسم في تطور النظام الجغرافي (الطبيعي والاجتماعي) وتوازنه، وعلى ضفاف الأنهار الصغيرة عاش في الماضي ويعيش الآن أكبر عدد من السكان سواءً في الريف أو في المدن، وهؤلاء من أقدم العصور يستخدمون مياهها لتأمين حاجاتهم من مياه الشرب والغسيل والسقاية والاستجمام والسباحة والصيد والاستخدامات الأخرى.

إن الأنهار الصغيرة من العوامل المهمة المؤثرة في عمليات انجراف التربة ونقل الطمي والرسوبيات، وهي تؤثر وتتأثر  بالعوامل المناخية والبيولوجية والجيولوجية والجيومورفولوجية وغيرها، ولها دور مهم في حياة كل إنسان وكل مجتمع وفي حياة الكثير من الكائنات الحية، وهي تؤثر في المنظومة البيئية عامة، لذلك فليس من قبيل المصادفة أن تلقى المشكلات التي تعاني منها هذه الأنهار كالاستنزاف والجفاف والتلوث المزيد من الاهتمام من قبل قطاع واسع جدا من السكان العاديين ومن العلماء والمختصين بما في ذلك الجغرافيين.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال