العوامل المتعلقة بكفاءة رئيس الإدارة.. غياب قيم النزاهة والشفافية تهديد حقيقي لمسار الحياة العملية للعديد من عمال الإدارة

إذا كانت الدولة لا تضمن فقط الجوانب المادية  للموظف إثناء مزاولة مهامه، فالحق في الترقية يعتبر من الحقوق الأساسية للموظف، والترقية كما سلف ذكرها هي الانتقال بالموظف من درجة إلى درجة أعلى، فان هذا الحق قد يغتصب من طرف بعض رجال الإدارة الذين لا يتمتعون بحس المسؤولية وتنحدر لدى بعضهم قيم النزاهة والشفافية حتى العدم.

ووجود مثل هؤلاء الأشخاص على رأس بعض الإدارات يشكل تهديدا حقيقيا لمسار الحياة العملية للعديد من عمال الإدارة، لأنه سيخلق اضطرابا في العمل الإداري ووبالا على أهم المبادئ المرتبطة بالمرفق العام وهو مبدأ استمرارية سير المرفق العام بانتظام واضطراد.

حيث أن الإشكال الحقيقي الذي يطرح هنا هو عندما يقوم الرئيس بتقييم عمل الموظف، فما مدى نزاهة الرئيس وكفاءته في تقييم مؤهلات الموظف وكفاءته، حيث انه من المفروض أن يكون الموظف يخضع للتقييم من طرف لجنة متخصصة في المجال الذي يشتغل فيه الموظف حتى يمكن لها أن تقف على قدرات الموظف ومعرفة نقط الخلل وتوجيهه لما يجب عليه القيام به من أجل تجاوز النقص في التكوين أو المعلومات الإدارية التي يفتقد إليها، لأن الموظف وهو يقوم بعمله يحتاج إلى التوجيه والنصح والتقويم حتى يستوعب المهام المسندة إليه للقيام بواجباته على الوجه الأكمل.

كما يطرح الإشكال أيضا عندما نجد موظفين في وضعيات إدارية متشابهة حيث أنه من المفروض أن يتم التعامل معهم على قدم المساواة، أي سلوك الطرق القانونية في تقييم عمل الموظفين بناء على العناصر الموضوعية المرتبطة بالعمل الإداري والقدرة على الابتكار والاجتهاد في العمل وليس بناء على الولاءات الشخصية الذاتية التي تفرغ الإصلاحات من مضمونها ، لكون  مثل هذا السلوك اللاأخلاقي من شأنه أن يبعد الاختيار التقديري عن هدفه النبيل الذي أراده المشرع تحقيقه والمتمثل في تامين وضعية الموظف الإدارية والمالية عن طريق قياس مؤهلاته لمنحه فرصة للترقي وتحسين وضعيته المادية والاجتماعية.

وهنا تطرح مسالة الديمقراطية في العمل الإداري من خلال إعطاء النقط المستحقة لمن يستحق والابتعاد عن المحسوبية والزبونية والعديد من المظاهر السلبية في العلاقات بين الرؤساء والمرؤوسين في الإدارات العمومية، لكون التعامل من طرف رئيس الإدارة مع باقي عمال الإدارة بقدم المساواة يترك أثرا ايجابيا في نفسية الجميع ويحاول كل موظف أن يثبت جدارته وأحقيته في كسب الاحترام والمعاملة الحسنة من طرف الجميع، لكن إذا كان هناك نوع من الحيف والانحياز لموظف أو أكثر فان العمل الإداري يفقد معناه ويعم الحقد والكراهية بين فئة مقبولة وفئة مغضوب عليها تكون ضحية أو كبش الفداء في كل عملية يطلب من الرئيس فيها تقييم وتقدير عمل ومردودية العاملين بالإدارة التي يرأسها.

خاصة أن رؤساء بعض الجماعات تحضر لديهم بعض الحزازات الانتخابية والعوامل السياسية في تقييم مردودية العديد من الموظفين المعينين بالجماعة التي يرأسون إدارتها فيكون الانتقام من هؤلاء الموظفين عن طريق حرمانهم من الترقية امر وارد ومحتمل جدا، وعليه فان رئيس الإدارة عليه أن يكون يتمتع بحس المسؤولية والانضباط بعيدا عن أي حسابات شخصية مع الموظف حتى لا تخرج وظيفة الرئيس عن مسارها الطبيعي الذي يكمن في احترام المقتضيات القانونية والابتعاد عن الخلافات الشخصية وتوظيف منطق الانتقام وكبح جماح التطلعات لدى الموظف الذي يجب أن يتم تشجيعه وتحفيزه حتى يتسنى له القيام بواجباته على الوجه المطلوب.

لذلك من الطبيعي أن يشكل الإنسان وتكوينه مركز الاهتمام بالنسبة لكل إصلاح يتوخى تحسين الأداء وجودة الخدمة، لذلك ينبغي أن تعطى الأسبقية للكفاءة والاستحقاق وأن تتضمن أنشطة للتكوين المستمر الهادف إلى إيجاد البديل للسنوات القادمة، ومن الانتقادات الموجهة للإدارة المغربية التساهل في اختيار الأشخاص وكذا المحاباة وغياب الشفافية في إجراءات الترقية والتعيين في مناصب المسؤولية، وهذه الانتقادات المقدمة ليست فقط من الإدارات نفسها بل وحتى أعوانها أو المتعاملين معها جوهر مشكلة تدبير الموارد البشرية.

لذلك فان الجميع يطالب بإصلاح عميق في المناهج والممارسات المعمول بها الإدارات ، وتبقى عدالة الأجور تمثل القضية الأساسية في بالنسبة لإصلاح الإدارة، خصوصا عندما نجد داخل العديد من الإدارات ثمة فرق هائل في رواتب الموظفين يجعل من الصعب تحفيز وتعبئة الطاقات الهائلة والتي تتوفر عليها الإدارة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال