دراسة وشرح وتحليل قصيدة جادك الغيث للسان الدين بن الخطيب.. خصائص أسلوب الشاعر. أثر البيئة في النص

دراسة وشرح وتحليل قصيدة جادك الغيث للسان الدين بن الخطيب:

جو النص:

يجد الشاعر في ذكريات الماضي السعيد مجالا لشعرهم حيث يتذكرون ما اغتنموا من سعادة، وما نعموا به من متعة بين الأحبة وجمال الطبيعة فتهيج عواطفهم بهذه الذكرى ويعرضون علينا صورة لها، جعلنا نشاركهم سرورهم بها وألمهم لذهاب عهدها، ولسان الدين بن الخطيب في هذه الموشحة يحدثنا عن أيام .جميلة سعيدة قضاها في غر ناطة ويتحسر على أنها مرت سريعة.

شرح الأبيات:

1- جادك الغيث إذا الغيث همى + يا زمان الوصل بالأندلس

- جادك الغيث:

جملة دعائية يدعو فيها الشاعر بالسقيا و الخير لزمان الوصل. الغيث: المطر. زمان الوصل: المراد الزمن الذي اجتمع فيه شمل الأحبة.

- الشرح:

يدعو الشاعر لتلك الأيام السعيدة التي قضاها في غرناطة بالسقيا كلما سقط المطر على عادة القدامى حين كانوا يدعون لأرض المحبة بذلك.

- الصور:

(يا زمان الوصل) استعارة مكنية، شبه زمان الوصل بإنسان وحذف المشبه به و دل عليه بشيء من خصائصه وهو النداء و فيها تشخيص للزمان و كأنه إنسان حي يسمع النداء و هي توحي بحنين الشاعر لتلك الأزمان.
(جادك الغيث) استعارة مكنية تصور زمان الوصل أرضا يسقيها المطر و فيها تجسيم و إيحاء بقوة الذكريات ودوامها مرتبطة بتلك الأيام وهي صورة تقليدية لشعراء المشرق العربي لأنها لا تناسب الأندلس وبيئتها المليئة بالأنهار ولا تحتاج إلى المطر فالشاعر هنا يريد الدعاء بطلب الخير عامة و المطر رمز عهد الخير.

2- لم يكن وصلك إلا حلما + في الكرى أو خلسة المختلس

  • حلما: خيال و طيف.
  • الكرى: النوم.
  • الخلسة: الاختلاس و الأخذ في الخفاء

- الشرح:

كان لقاء الأحبة جميلا ولكنه مر سريعا كالحلم السعيد أو اللذة المختلسة

- الصور:

(لم يكن وصلك إلا حلما أو خلسة المختلس) تشبيهان فالوصال في لذته كالحلم السعيد في سرعته و قصر زمن المتعة كالخلسة السريعة.

3- إذ يقود الدهر أشتات المنى + ننقل الخطو على ما يرسم

  • يقود الدهر: يسوق والمراد يحقق.
  • أشتات المنى: الأماني المتفرقة. جمع شتيت و جمع منية.
  • ننقل الخطو: تتجه على ما يرسم: كما يرسم لها الدهر.

- الشر ح:

يسترجع الشاعر الذكريات فيقول كان الدهر يحقق أمانيه المتعددة المتنوعة فتجري على خطة مرسومة لا تختلف ولا تنحرف.

4- زمراً بين فرادى و ثنى + مثلما يدعو الحجيج الموسم

  • زمراً: جمع زمرة.
  • الوفود: جمع وفد وهو الجماعة
  • الموسم: موسم الحج.

- الشر ح:

هذه الأماني تأتى في موعدها المرغوب فرادى أو ثنى أو جماعات كأنها وفود الحجاج في موسم الحج تأتى في موعدها متفرقة أو متجمعة.

5- والحيا قد جلل الروض سنا + وثغور الزهر منه تبسم

  • الحيا: المطر.
  • جلل الأرض سنا: كسا الرياض أزهارا متفتحة تلمع وتتلألأ.
  • ثغور: جمع ثغر.

- الشر ح:

كانت الطبيعة حولنا بهيجة تشاركنا سرورنا وتسهم في سعادتنا فالمطر قد كسا الروض ثوبا مشرقا من الأزهار المتفتحة الباسمة.

6- وروى النعمان عن ماء السما + كيف يروي مالك عن أنس

روى النعمان عن ماء السماء: المراد هنا أن شقائق النعمان ذلك النوع من الإزهار الذي يعرف بشكله الأحمر ونقطة السوداء يدل على أثر المطر فيها وفضله عليها والنعمان بن ماء السماء: ملك الحيرة في الجاهلية وفى هذا التعبير تورية ومالك بن أنس: فقيه صاحب مذهب معروف و أنس أبوه أو هو أنس ابن مالك خادم الرسول (ص) وعلى هذا لا تكون بينهم علاقة القرابة.
كيف يروي مالك عن أنس المراد هنا أن ما بين شقائق النعمان والمطر من نسبه وصلة مثل ما بين مالك و أبيه أنس أو مثل ما بينه وبين أنس بن مالك في صدق الأحاديث المروية.

7- فكساه الحسن ثوباً معلماً + يزدهي منه بأبهى ملبس

  • معلما: ملونا.
  • يزدهي: يختال.
  • بأبهى ملبس: بأجمل الأثواب.

- الشرح:

شقائق النعمان تنطق بأثر المطر وتدل على أنها وليدة ماء السماء كما أن مالكاً وليد أنس فأصبح الروض  يختال في ثوب جميل تعددت فيه ألوان الحسن والبهاء.

- الصور:

صورة كلية لزمان الوصل تمثل فيها الدهر قائدا فيقود الأماني فتمشي حسب الخطة الموضوعة فرادى أو جماعات والشاعر و أحبابه يمرحون بين الرياض الزاهرة الجميلة وهي لوحة حافلة بالحركة وتحملها في يقود تنقل الخطو، كساه يزدهي واللون نراه في الروض، السنا، الزهر، النعمان، ثوبا معلما، والصوت نسمعه في الخطو، يدعو، رو ى، وفي خلالها صورة بيانية في البيت الثالث يقود الدهر أشتات المنى استعارة مكنية تصور الدهر قائداً والمنى جنودا تقاد لأمره (تنقل الخطو على ما يرسم) ترشيح لهذه الصورة فالشاعر مستمر في خبايا الدهر، فالدهر قائد يرسم الخطة وأشتات المنى جنود تنقل الخطو وتتحرك بأمره وفى ذلك تصوير وتشخيص وتوضيح للمعنى الذي يريده وهو الدلالة على السعادة التامة.

- التشبيه:

يصور الأماني في تتابعها فرادى أو مثنى أو جماعات بحسب الحاجة والظروف في أوقات محددة، بصورة الحجاج يتوافدون على مكة جماعات أو فرادى في موسم الحج و يبدو في هذه الصورة الثقافة الدينية للشاعر.
  • (يدعو الموسم) استعارة مكنية تصور موسم الحج إنسانا يدعو الناس ويناديهم.
  • (فثغور الزهر من تبسم) استعارة مكنية شبه الزهر بإنسان وحذف المشبه به ودل عليه بشيء من خصائصه وهو ثغور ورشح هذه الاستعارة بقوله: تبسم والصورة توحي بالبهجة والصفاء الذي يغمر الروض.
روى النعمان عن ماء السما: استعارة مكنية تصور شقائق النعمان إنسانا يروى ويحكي وماء السما إنسانا يروى عنه، و الشاعر هنا متأثر بالثقافة الدينية ورواية الحديث الشريف. وهنا تشبيه حيث شبه رواية شقائق النعمان عن ماء السماء برواية مالك عن أنس.
كساه الحسن ثوباً معلما: استعارة مكنية تصور الحسن إنساناً يكسو الروض ثوباً ملوناً، ثوباً معلماً استعارة تصريحية حيث شبه الأزهار المتنوعة في الرياض بالثوب المطرز المنقوش، وتوحي بروعة الأزهار والإعجاب بها. يزدهي منه بأبهى ملبس: استعارة مكنية تصور الروض إنساناً يختال مفتخراً بملابسه الجميلة وفيها تشخيص و إيحاء بروعة الجمال.

8- في ليال كتمت سر الهوى + بالدجى لولا شموس الغرر

  • كتمت: سترت.
  • الهوى: الحب.
  • الدجى: الظلام.
  • شموس الغرر: شموس مفردها شمس، الغرر جمع غرة وهي بياض الوجه والمراد وجوه الجالسين التي تشبه الشموس.

- الشرح:

ما أجمل تلك الليالي التي سترت لقائنا وحجبتتا عن أعين الرقباء بظلامها الذي لم ينبعث فيه ضوء غير إشراق الوجوه الجميلة في ذلك المجلس.

- الصور:

ليالٍ كتمت سر الهوى: استعارة مكنيه تصور الليالي إنسانا يكتم السر، وشموس الغرر: تشبيه بليغ فقد شبه وجوه الأحبة في إشراقها بالشموس والغرر: مجاز مرسل عن الوجوه علاقته جزئية فقد أطلق الجزء (فالغرة بياض في الجبهة) وأراد الكل وهو الوجوه..

9- مال نجم الكأس فيها وهوى + مستقيم السير سعد الأثر

  • مال نجم الكأس: انتقل كأس الشراب اللامعة كالنجم من يد إلى يد.
  • سعد الأثر: محمود الأثر (طيبا).

- الشرح:

وفي هذه الليالي كانت تدور الكؤوس علينا منتظمة فتترك في نفوسنا نشوة وطربا.

- الصور:

  • نجم الكأس: تشبيه بليغ فقد شبه الكأس بالنجم في اللمعان والإشراق وأضاف المشبه به إلى المشبه.

10- وطر ما فيه من عيب سوى + أنه مر كلمح البصر

  • وطر: مطلب وغاية.

- الشرح:

وقضينا في هذا اللقاء أوقاتاً سعيدة لا عيب فيها إلا أنها مرت سريعة كلمح البصر وهكذا الصفو قصير العمر.

- الصور:

وطر مر كلمح البصر: تشبيه فقد شبه وقت اللقاء في قصره بالوقت الذي يستغرقه لمح البصر.

11- حين لذ النوم شيئاً أو كما + هجم الصبح هجوم الحرس

  • لذ النوم: أصبح لذيذاً، شيئا: المراد هنا قليلاً.

- الشرح:

فما كدنا نشعر بسعادة الأنس واللقاء حتى ظهر الصبح فافترقنا كما يهجم الحرس في عنف على جماعة فيشتت شملهم.

- الصور:

هجم الصبح هجوم الحرس: استعاره مكنية شبه الصبح إنساناً يهجم. / هجوم الحرس: تشبيه حيث شبه هجوم الصبح في عنفه وقسوته ومفاجأته وأثره في تفريق الشمل بهجوم الحرس وهو يوحي بضيق النفس من حرمان التمتع بالسعادة.

12- غارت الشهب بنا أو ربما + أثرت فينا عيون النرجس

  • غارت الشهب بنا: لحقتها الغيرة بسبب السعادة التي نحن فيها فانقضت الكؤوس وانتهى مجلسنا.
  • أثرت فينا عيون النرجس: المراد حسدتنا على سعادتنا.

- الشر ح:

وكأن النجوم أصابتها الغيرة منا فاختفت بسرعة لترسل الصبح يكشفنا ويفرقنا، أو كأن عيون أزهار النرجس حسدتنا فلم يطُل أمر سعادتنا ولقائنا.

- الصور:

غارت الشهب بنا: استعارة مكنية صور الشهب أشخاصا تصيبهم الغيرة والحقد. عيون النرجس: تشبيه بليغ فقد شبه زهرات النرجس في شكلها بالعيون وأضاف المشبه به للمشبه. أثرت فينا عيون النرجس: استعارة مكنية تصور أزهار النرجس أشخاصا يحسدون الأحبة عند اللقاء.

13- يا أهيل الحي من وادي الغضا + وبقلبي مسكن أنتم به

  • أهيل الحي: إيحاء بالمحبة.
  • وادي الغضا: وادي إمارة غضي وهي شجرة خشبها صلب.

- الشرح:

يا أهل ذلك الحي بذلك الوادي الذي تحول إلى ألم و حزن وشجن أنني أدعوكم وأناديكم لأنكم قريبون مني مكانة و لكم منزلة خاصة بقلبي.

14- ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا + لا أبالي شرقه من غربه

  • وجدي: شعوري حزني.
  • رحب الفضا: الفضاء الواسع.
  • لا أبالي: لا أهتم.

- الشرح:

فإحساسي وشعوري ضاق بهذا الفضاء الواسع الرحب فلم أعد أهتم به و لا بأي جهة فيه.

15- فأعيدوا عهد أنس قد مضى + تعتقوا عبدكم من كربه

  • أعيدوا: أعيدوا زمن الوصل.
  • تعتقوا: تحرروا.
  • كربه: حزنه.

- الشرح:

فدعوة إلى إعادة ذلك الزمان، زمان الأنس و الحب واللهو فأنتم بهذا تحررون عبدا ضاقت به القيود و أحكمته.

16- واتقوا الله و أحيوا مغرما + يتلاشى نفسا في نفس

  • يتلاشى: يختفي.
  • مغرم: عاشق.

- الشرح:

وأدعوكم لتقوى الله فيما يصيبني فأنا إنسان معشق ومغرم لذلك الزمان وبهذه الحالة التي وصل إليها فأنا انتهي و أتلاشى شيئا فشيئا.

17- حبس القلب عليكم كرما + أفترضون عفاء الحبس

- الشرح:

فالقلب قد كن هذا الحب العظيم لذلك الزمان كرما وحبا وعشقا له فلا أظنكم ترضون بغير ذلك وهو أن يتحول ذلك الحب إلى كره وعدم مبالاة فلا تكون هناك رغبة في إعادة ذلك الزمان.

خصائص أسلوب الشاعر:

  • ألفاظه رقيقة عذبة.
  • يميل إلى المحسنات البديعية.
  • أفكاره غير عميقة و يقل فيها التحليل والتفصيل.
  • متأثر بالثقافة الدينية.

أثر البيئة في النص:

  • كثرة اللهو و الترف في الأندلس.
  • جمال الطبيعة هناك وتنوع مظاهر الحسن فيها.
  • اتصال الثقافة الأندلسية بالثقافة العربية في المشرق.
  • تجديد الأندلسيين في أوزان الشعر وقوافيه بابتكارهم الموشحة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال