الاعتذار في الشعر الجاهلي.. اعتذاريات النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر بعد فراره إلى الغساسنة منافسي المناذرة وأعدائهم

في أواخر العصر الجاهلي اتخذ بعض الشعراء المديح وسيلة للتكسب والإرتزاق، وفتحت إمارتا الغساسنة والمناذرة أبوابهما لكثير من الشعراء، كحسان بن ثابت، والأعشى، وعلقمة، والنابغة..
اتصل النابغة الذبياني بملوك الحيرة، وطالت صحبته للنعمان بن المنذر فقرّبه، واتخذه نديما وصديقا، إلا أن حبل الود لم يتصل، وإن الحياة لم تصف له.
فقد تدخل الوشاة لإفساد ما اتصل بينهما من ود، ونجحوا في تشويه صورة الشاعر عند مليكه مما اضطره إلى الفرار إلى الغساسنة، منافسي المناذرة وأعدائهم، وابتدعوا مختلف الأقاويل للإمعان في الإساءة إليه، والحط من شأنه.
وقد صورته الوشايات في نظر مليكه، أبي قابوس، ناكرا للعرفان، عديم المروءة، والوفاء، لا يرعوي عن خيانة مَنْ منحه الرعاية، ووهبه نعمة الإثراء، ووفر له سبل الشهرة، وبوأه مجد الشاعرية، حتى غدا يأكل في صحاف من الذهب والفضة.
وعزّ على الشاعر أن يصبح سيء الأحدوثة بين النّاس، وهانت سلامتُهُ في نظره إزاء العار الذي يهدّد شرفه، فلاذَ بشاعريته لتذود عنه.
ولجأ إلى قوة منطقه ليدفع الإفتراءات، فوفّق في الإعتذار لأبي قابوس، وكانت اعتذارياته صفحة جديدة في الأدب العربي، فتحت للشعراء خلال العصور التالية بابا مستحدثا لم يكن لهم عهد به.
وكانت هـذه الاعتذاريات أروع ما دبجه الجاهليون، لأنها خطت بالشعر الجاهلي خطوة نحو بؤرة عميقة من العلاقات الإنسانية المتشابكة المتنازعة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال