التربية والمجتمع.. التربية تعمل بالضرورة في ضوء نظام اجتماعي معين يميزه أفراده ويختارونه من بين نظم اجتماعية أخرى لتحقيق أهداف معينة

إن التربية لا يمكن أن تتم في فراغ وبالتالي فهي تعيش في مجتمع ذلك لأنها أداة المجتمع في تشكيل الأفراد الذين لا يمكن لهم أن ينمو في عزلة ولا يرجع هذا إلي أن الأفراد الإنسانيين يشكلون بيئة مناسبة تقدم الحماية واستمتاع فحسب ولكن لأن هؤلاء الأفراد يلعبون أيضا أدوار أكثر أهمية وهو أن وجودهم ضروري للعلاقات التي يكونها الفرد النامي معهم إذ هي المكونات الواقعية لذاته فالفرد النامي ليس مكتفيا بذاته له علاقته بالأفراد الآخرين ولكن العلاقات تدخل في ذات وجوده وفي جوهر شخصيته فالذات ليست شيئا في عزلة ولكنها دائما بالضرورة ذات في علاقة.

مما لا شك فيه أن المجتمع مدرسة كبيرة يتلقى فيها الفرد دروسا عملية كثيرة قد لا يتيسر له أن يتلقاها في حياته من علي مقاعد الدراسة العادية ومن المجتمع يكتسب الفرد ما لديه من السلوك ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن الفرد يتلقى من المجتمع دروسا مختلفة الأنواع والصور يصقل بها معارفه وخبراته المدرسية وبما أن الحياة لا تنقطع بانقطاع الفرد عن الذهاب إلي المدرسة العادية فإن حياته في المجتمع تعتبر عملية استمرارية للدراسة والبحث والتعليم في المدرسة الكبيرة (المجتمع) بما فيه من مهن وأدوات اتصال ووسائل توضيح وبما فيه من نظم تفرضها الدولة أو المؤسسات العامة وتصقلها التجارب علي مر السنين وما الإنسان إلا مجموعة من القوى التي تظل كامنة حتى تظهرها التجارب علي السطح وتطلق سراحها الخبرات.

قد فطنت المجتمعات الحديثة إلي أهمية التربية فأولتها كل الاهتمام والعناية وخصصت لها المال والجهد وأعدت الخبراء والمتخصصين لذا تحتل التربية مكانا نافذا لم تحتله في أي عهد من العهود كما تحتله اليوم في عصر التحول والتقدم من المرحلة الصناعية إلى الثورة المعرفية لهذا فإن رجال التربية في كل بقاع العالم يهتمون الآن في العملية التربوية وما تؤدي إليه تلك العملية من خدمات للمجتمعات المتطورة علي أنه يمكن الاعتماد علي التربية سواء في نشر أي فكرة أو رأي أو معتقد معين من هنا يتضح لنا خطورة.

والمجتمع هو الوعاء الذي يحتوي التربية في داخله ومن ثم فإن التربية تتأثر بالمجتمع بتصوره أو بإطار حياته ومن أجل ذلك فإن فعالية برامج التعليم لا تتأتى من تلقاء نفسها ولا تفرض عليه من الخارج بقوانين خارجه عن طبيعته الاجتماعية وعن ظروف الزمان والمكان الذي يعيش فيه هذا التعليم ولذلك يجب دراسة المجتمع وثقافته الخارجية.

ومعنى هذا أن التربية تعمل بالضرورة في ضوء نظام اجتماعي معين يميزه أفراده ويختارونه من بين نظم اجتماعية أخرى لتحقيق أهداف معينة، ومن ثم فإن أي تربية تعبر عن وجهة اجتماعية لأنها تعني اختيار نمط معين في الأنظمة الاجتماعية ومعنى هذا أن محور الدراسة في التربية هو المجتمع فمنه تشتق أهدافها وحول ظروف الحياة فيه مناهجها إذ لا قيمة للفكر التربوي النظري إلا إذا كان هذا الفكر مقترنا ببعض ديناميكيات العمل التطبيقي فلابد أن يترجم الفكر إلي واقع اجتماعي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال