حكم تعلم السحر دون العمل به.. ما كان منه يُعظَّمُ به غير الله من الكواكب والشياطين، وإضافة ما يحدثُه الله إليها فهو كفر إجماعاً

 التحقيق الذي عليه الجمهور هو أنه لا يجوز تعلم السحر على الإطلاق سواء عمل به أو لم يعمل به(1) لقوله تعالى: (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم)(2). أي يضرهم في دينهم، وليس له نفع يوازي ضرره.

ولا شك أن تعلم السحر والعمل به كفر، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد. ومن أصحاب أبي حنيفة من قال: إن تعلمه ليتقيه أو يجتنبه فلا يكفر، ومن تعلمه معتقداً جوازه أو أنه ينفعه كفر.

وقال الشافعي: "إذا تعلم السحر قلنا له صف لنا سحرك، فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل ما يُلتمسُ منها، فهو كافر وإن كان لا يوجب الكفر، فإن اعتقد إباحته فهو كافر"(3).

وقال أبو حيان في البحر المحيط: "وأما حكم تعلم السحر فما كان منه يُعظَّمُ به غير الله من الكواكب والشياطين، وإضافة ما يحدثُه الله إليها فهو كفر إجماعاً، لا يحل تعلُّمه ولا العملُ به، وكذا ما قُصد بتعلُّمه سفك الدماء والتفريق بين الزوجين والأصدقاء.

وأما إذا كان لا يعلم منه شيء من ذلك من ذلك، بل يحتمل فالظاهر أنه لا يحل تعلمه ولا العملُ به، وما كان من نوع التخييل والدجل، فلا ينبغي تعلمه لأنه من باب الباطل، وإن قصد به اللهو واللعب وتفريج الناس على خفة صنعته فيكره"(4).

قلت: وهذه خلاصة جيدة، وكلام حسن ينبغي التعويل عليه في هذا الأمر.
وإن قيل كيف كان الملكان يعلمان الناس السحر مع أنه حرام، ومعتقده كافر؟

فالجواب: أنهما ما كانا يعلمان الناس السحر للعمل به، وإنما للتخلص من ضرره والاحتراز منه، لأن تعريف الشر للزجر عنه حسن، وقد قيل لعمر بن الخطاب: إن فلاناً لا يعرف الشر.
قال: أجدر أن يقع فيه.

وقال الألوسي: إن ذلك كان للإبتلاء والتمييز بين المعجزة والسحر، ولهذا جاء القرآن منزهاً سليمان عليه السلام على أن يكون ساحراً، أو حاكماً بالسحر أو آمراً به، فما زعمته بنو إسرائيل فيه زعم كاذب وقول باطل، وإنما كان الجن مسخرين لسليمان عليه السلام بأمر الله تعالى لا بالسحر(5).

(1) انظر فتح الباري (10/226) والمغني (1/151).
(2) سورة البقرة، الآية 102.
(3) ابن كثير: التفسير (1/270).
(4) انظر روائع البيان، (1/85).
(5) الصابوني: تفسير آيات الأحكام، (1/88).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال