حكم اتخاذ القراءة على الناس حرفة.. المتفرغ للرقية على الناس فيه مشابهة بالمتفرغ للدعاء للناس، فالرقية والدعاء من جنس واحد

من الناس مَن يشتهر بالرقية وقراءة الأذكار الشرعية على المرضى، فتتزاحم الأقدام على أبوابهم طلباً للدواء، وتمتلىء جيوبهم بالأموال مما يدفعهم إلى امتهان الرقية والتفرغ للقراءة، واتخاذها مهنة وحرفة لهم فيوسعون دورهم كالمشفى ويرتبون المواعيد للمرضى.
ومن المعلوم أنَّ الرقية مباحة بضوابطها الشرعية، كما أن أخذ الأجرة عليها مباح لقول رسول الله (ص) لمن رقى لديغاً بفاتحة الكتاب وأخذ شاة: "إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله"[1].
فإذا علم إباحة الرقى، وإباحة أخذ الأجرة عليها انحصر الأمر في موضوع التفرغ لهذا العمل، واتخاذه مهنة وحرفة، وهذا في نظري يترتب عليه مفاسد كثيرة بالنسبة للقارئ والمقروء عليه، ومنها:

1ـ اعتقاد الناس أن للقارىء خصوصية معينة تطغى على أهمية المقروء، والأصل في الرقية هي المقروء، والقارىء تبع لذلك، ولا ننكر ما لصلاح القارىء من تأثير، وعليه فالناس تمدح القارىء، وكأن المقروء لا اعتبار له.
وقد قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين).

2ـ عدم اتخاذ الصحابة أو الخلفاء حرفة القراءة، وإنما المريض يقرأ على نفسه من كتاب الله.
وما ترك علماء أهل السنة هذا الأمر إلا من فقههم، وقد قيل لو أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فتح دكاناً للقراءة على المرضى، لما استطاع أن يكتب سوداء في بيضاء، في زمن الجهل والخرافات.

3ـ إن الناس تزداد ثقتها بالشخص القارىء عندما ينجح في إقصاء الداء، أكثر من ثقتها بالمقروء، ولذلك يقال فلان قدير، وهذا من مكر الشياطين بالناس.

4ـ إن احتراف القراءة والتفرغ لها يدر الأموال الطائلة على أصحابها، مما يجعل الكثير منهم يفتحون الدكاكين الراقية، ويختلط الحق بالباطل والعلم بالجهل والسنة والبدعة، والرقية الشرعية بالتعاويذ الشيطانية، فيصعب التمييز بين الراقي المتقيد بالشرع، والراقي المبتدع.

5ـ إن المتفرغ للرقية على الناس فيه مشابهة بالمتفرغ للدعاء للناس، فالرقية والدعاء من جنس واحد.
ولقد اشتهر بعض الصحابة بإجابة الدعاء كسعد بن أبي وقاص من الصحابة، وأويس القرني من التابعين، إلا أنه لم يشتهر أنهم تفرغوا للدعاء للناس.
ومع أن عمر بن الخطاب قد سأل أويس القرني أن يستغفر له فاستغفر له، إلا أنها حادثة واحدة، فهل يليق بعاقل أن يقول للناس تعالوا إلي أدعو لكم.
وقد كان عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة والتابعين يكرهون أن يطلب منهم الدعاء ويقولون: أأنبياء نحن؟ كما أورد ابن رجب[2].

6ـ إن انتشار هذه الظاهرة يعطل سُنَّة رقية الأفراد لأنفسهم، وانطراحهم بين يدي رب السماوات والأرض وسؤاله الشفاء.

[1] صحيح البخاري مع الفتح: (10/169).
[2] ابن رجب، الحكم الجديدة بالإذاعة، ص 54.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال