الأصل في بيع الغرر هو التحريم.
يدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم {نهى عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر}. رواه مسلم.
قال النووي: النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، يدل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة، وقال: وبيع ما فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز عنه ولا تدعو إليه الحاجة باطل.
وينقسم الغرر من حيث تأثيره على العقد إلى: غرر مؤثر في العقدة وغرر غير مؤثر. قال ابن رشد الحفيد: اتفقوا على أن الغرر ينقسم إلى مؤثر في البيوع وغير مؤثر.
ويشترط في الغرر حتى يكون مؤثرا الشروط الآتية:
الشرط الأول: أن يكون الغرر كثيراً:
قال ابن القيم: "والغرر إذا كان يسيراً أو لا يمكن الاحتراز منه لم يكن مانعاً من صحة العقد، بخلاف الكثير الذي يمكن الاحتراز منه، وهو المذكور في الأنواع التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهاوما كان مساوياً لها لا فرق بينها وبينه، فهذا هو المانع من صحة العقد".
وقال القرافي: "الغرر والجهالة - أي في البيع - ثلاثة أقسام : كثير ممتنع إجماعا، كالطير في الهواء، وقليل جائز إجماعا، كأساس الدار وقطن الجبة، ومتوسط اختلف فيه، هل يلحق بالأول أم بالثاني؟".
وقال الباجي - مبيناً ضابط الغرر الكثير-: "الغرر الكثير هو ما غلب على العقد حتى أصبح العقد يوصف به".
الشرط الثاني: أن يكون الغرر في المعقود عليه أصالة:
فيشترط في الغرر حتى يكون مؤثرا في صحة العقد أن يكون في المعقود عليه أصالة. أما إذا كان الغرر فيما يكون تابعا للمقصود بالعقد فإنه. لا يؤثر في العقد.
ومن القواعد الفقهية المقررة: أنه يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها، ولذا جاز بيع الحمل في البطن تبعاً لأمه، وجاز بيع اللبن في الضرع مع الحيوان، ومن ذلك أيضاً أنه لا يجوز أن تباع الثمرة التي لم يبد صلاحها مفردة، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، ولكن لو بيعت مع أصلها جاز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع} وقد نقل ابن قدامة الإجماع على جواز هذا البيع، وقال: ولأنه إذا باعها مع الأصل حصلت تبعا في البيع، فلم يضر احتمال الغرر فيها.
الشرط الثالث: ألا تدعو للعقد حاجة:
فإن كان للناس حاجة لم يؤثر الغرر في العقد، وكان العقد صحيحا.
قال ابن تيمية: "ومفسدة الغرر أقل من الربا فلذلك رخص فيما تدعو الحاجة إليه منه، فإن تحريمه أشد ضرراً من ضرر كونه غرراً، مثل بيع العقار جملة وإن لم يعلم دواخل الحيطان والأساس". وقال الكمال عن عقد السلم: ولا يخفى أن جوازه على خلاف القياس. إذ هو بيع المعدوم، وجب المصير إليه بالنص والإجماع للحاجة من كل من البائع والمشتري.
وقال النووي: مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة أو كان الغرر حقيراً جاز البيع، وإلا فلا".
والدليل على هذا الشرط جواز بيع المغيبات في الأرض كالجزر والبصل ونحوها، وبيع ما مأكوله في جوفه كالبطيخ والبيض ونحو ذلك مع ما فيه من الغرر، وإنما جاز للحاجة المقتضية لشراء هذه الأشياء دون فتحها أو إخراجها من الأرض.
الشرط الرابع: أن يكون الغرر في عقد من عقود المعاوضات المالية:
وقد اشترط هذا الشرط المالكية فقط، حيث يرون أن الغرر المؤثر هو ما كان في عقود المعاوضات، وأما عقود التبرعات فلا يؤثر فيها الغرر. واختار هذا القول ابن تيمية وابن القيم، وغيرهما.
وقد اشترط هذا الشرط المالكية فقط، حيث يرون أن الغرر المؤثر هو ما كان في عقود المعاوضات، وأما عقود التبرعات فلا يؤثر فيها الغرر. واختار هذا القول ابن تيمية وابن القيم، وغيرهما.
والدليل يؤيد ما ذهب إليه المالكية فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر فيختص النهي في المبايعات ويبقى ماعداها على أصل الحل. ويدل على ذلك ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام لما جاءه رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر أخذها من المغنم، فقال له: "أما ما كان لي فهو لك". ووجه الدلالة ان النبي صلى الله عليه وسلم وهبه نصيبه من الكبة مع عدم العلم بقدر الموهوب.
التسميات
تأمين