حكم التأمين الإسلامي.. التأمين التعاوني والاجتماعي حلال لا شبهة فيه. خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة، فليست عقود المساهمين ربوية

نعرض في حكم التأمين الإسلامي الآتي:

1- الأستاذ/ محمد أبو زهرة رحمه الله:
لا يشك في أن هذا النوع من التأمين هو من قبيل التعاون على البر والتقوى الذي ينطبق عليه قوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}المائدة(2).

ويستوي فذلك الحكم التأمين التعاوني الاختياري والتعاون الحكومي الإجباري، لأنها شركة بين المنتفعين به، المؤمنون هم المستأمنون، بشرط أن يكون الكسب حلالاً لا شبهة فيه، ولا يرى في المذهب الحنفي ما يعارض ذلك النظر، وخصوصاً أنه خاضع للنص القرآني الذي تلوناه، وأنه يستأنس له بالمؤاخاة التي كانت في صدر الإسلام وقام بها النبي صلى الله عليه وسلم، وفوق ذلك هو أصل التأمين الذي حرف من بعد ذلك إلى عقود بين شركات مستقلة ومستأمنين.

وقد خلص في رأيه المقدم لمؤتمر الفقه الإسلامي في دمشق 1961م، وبعد مناقشته لآراء مصطفى الزرقاء الذي يبيح التأمين التجاري إلى القول (والآن نقرر النتيجة التي انتهينا إليها وتتلخص في أن التأمين التعاوني والاجتماعي حلال لا شبهة فيه...).

2- الشيخ / فيصل مولوي:
حيث توصل إلى أنه مادام وأن الأموال المتجمعة من التأمين التعاوني تبقى ملكاً للجميع ولا تؤول إلى أصحاب الشركة، فإنه بهذا الشكل يكون نوعاً من أنواع التكافل المحض ولكنه تكافل منظم، بدل أن يكون متروكاً للظروف، كما أنه لا يهدف إلى تحقيق الربح للقائمين به، ولا يهدف لتحقيق الغنى لأعضائه، بل مجرد دفع الضرر اللاحق بهم، والضرر يزال ما أمكن، وإذا تعذر وجود بيت مال المسلمين يرعى كل جوانب التكافل فإن التأمين التعاوني يمكن أن يكون بيت مال مصغر لمجموعة من المسلمين، (التأمين التعاوني) يرعى بعض جوانب التكافل الأكثر ضرورة عندهم، وهذا التأمين تجيزه القوانين المدنية القائمة ولا يتعارض مع مبادئ الإسلام في التكافل، ويمكن اللجوء إليها باطمئنان كامل، بل أن دولة الإسلام يمكن أن تعتمد هذا النوع من تنظيم التكافل فيما إذا لم تقم الزكاة في وقت من الأوقات بكل نفقات التكافل.

3- الدكتور/ الضرير:
والذي قدم بحثاً إلى مؤتمر أسبوع الفقه الإسلامي في دمشق 1961م بعنوان (حكم عقد التأمين في الشريعة الإسلامية) وتعرض لموضوع التأمين في رسالته عن الغرر المنشورة 1976م وذهب فيها إلى جواز التأمين التعاوني وإبطال التأمين التجاري، وأوضح أن التأمين التعاوني وإن كان فيه غرر كالتأمين التجاري (...) إلا أن هذا الغرر لا يؤثر فيه، لأنه يدخل في عقد التبرعات لأن معنى التبرع فيه واضح من معنى المعاوضة وبذلك فإن المشتركين فيه لا يسعون إلى الربح, وإنما مقصدهم التعاون على تحمل نوائب الدهر, ويرى بأن (التأمين التعاوني) عقد تبرع من نوع خاص، لا نظير له في عقود التبرعات المعروفة في الفقه الإسلامي.

4- الدكتور /حسين حامد:
والذي قدم بحثاً عن التأمين إلى المؤتمر الأول للاقتصاد الإسلامي بمكة المكرمة 1976م يرى فيه جواز التأمين التعاوني دون التجاري.

5- الدكتور / رفيق يونس المصري:
بعد عرضه لآراء العلماء في التأمين يصل إلى القول بأن العلماء الذين منعوا التأمين التعاوني لم ينتبهوا إلى حقيقته ووظائفه، كما فاتهم أحاديث نبوية تفيد إباحته كحديث الأشعريين.

6- الدكتور /سليمان بن ثنيان:
يعرض مبررات القائلين بجواز التأمين التعاوني وأنه الحل والبديل الإسلامي للتأمين التجاري على أنها: ازدياد مخاوف الناس الاقتصادية وتعقد أمور الاقتصاد، وكذا لم تعد تقيم ركن الزكاة كما يجب، وأنه لا مانع في الإسلام من إحداث أنواع جديدة من المعاملات تحقق فيها مصالح المسلمين، وأن التأمين التعاوني تبرع محض لا تفسده سائر المحظورات المفسدة للتأمين التجاري وأنه المناسب لقواعد الشريعة الإسلامية، وأنه يساعد على إقامة صرح اقتصادي متين للعالم الإسلامي وكذلك انخفاض تكلفته وانخفاض أقساطه وكذا أجور القائمين عليه وانخفاض مصروفات الإدارة فيه.

7- فتوى هيئة الرقابة الشرعية للشركة الإسلامية القطرية للتأمين 24 / 1 / 2000م:
جاء فيها.. (ولذلك كله نرى أن إقرار هذا النظام يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء، ويحقق مصالح الناس في معاشهم وتدل على مشروعيته الأدلة المعتبرة له (...) ومن هنا فإن للشركة الإسلامية انقطرية للتأمين الحق في التعامل مع نظام التكافل الإسلامي بجميع صوره التي تقرها هيئة الرقابة الشرعية بالشركة).

8- فضيلة الشيخ / يوسف القرضاوي:
في رده على سؤال (ما الحكم في أنواع التأمين المختلفة؟) وفي إجابته قال: (.. والبديل الإسلامي هو التأمين الذي يطلق عليه التأمين التعاوني الذي لا يكون القصد فيه الاسترباح، فشركات التأمين هي شركات تحاول أن تربح، تربح من حاجات الناس إلى الأمن، فهي تربح وتربح أرباحاً فاحشة، فالفقهاء في عصرنا حاولوا أن يوجدوا البديل، وهذه مهمة الفقه،..).

9- فتوى هيئة الرقابة الشرعية ببنك فيصل الإسلامي - السودان:
في ردها على سؤال (هل يجوز في نظر الشرع إنشاء شركات تأمين تعاوني و الدخول في أعمال التأمين عامة..) أجابت بأن التأمين التعاوني جائز شرعاً باتفاق جميع الفقهاء بل هو أمر مرغوب فيه، لأنه من قبيل التعاون على البر، على أن يكون المعنى التعاوني ظاهراً فيه ظهوراً واضحاً، وذلك بالنص صراحة في عقد التأمين على أن المبلغ الذي يدفعه المشترك يكون تبرعاً منه للشركة ، يعان منه من يحتاج إلى المعونة من المشتركين...).

10- مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته المنعقدة في 10 شعبان 1398هـ بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم الإسلامي:
جاء فيه ( كما قرر مجلس المجمع بالإجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم (51) وتاريخ 4 / 4 / 1397هـ من جواز التأمين التعاوني بدلاً عن التأمين التجاري المحرم والمنوه عنه آنفاً للأدلة التالية:

- الأول: أن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار، والاشتراك في تحمل المسؤولية، عند نزول الكوارث، وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية، تخصص لتعويض من يصيبه الضرر، فجماعة التأمين التعاوني لا يستهدفون تجارة ولا ربحاً من أموال غيرهم ، وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم، والتعاون على تحمل الضر ر.

- الثاني: خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة، فليست عقود المساهمين ربوية، ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية.

- الثالث: أنه لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود عليهم من النفع، لأنهم متبرعون، فلا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة، بخلاف التأمين التجاري فإنه عقد معاوضة مالية تجارية.

الرابع / قيام جماعة من المساهمين أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من الأقساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون، سواء كان القيام بذلك تبرعاً أو مقابل أجر معين، ورأى المجلس أن يكون التأمين التعاوني على شكل شركة تأمين تعاونية مختلطة للأمور الآتية:

- أولاً: الالتزام بالفكر الاقتصادي الإسلامي، الذي يترك للأفراد مسؤولية القيام بمختلف المشروعات الاقتصادية ولا يأتي دور الدولة إلا كعنصر مكمل لما عجز الأفراد عن القيام به وكدور موجه ورقيب  لضمان نجاح هذه المشروعات وسلامة عملياتها.

- ثانياً: الالتزام بالفكر التعاوني التأميني الذي بمقتضاه يستقل المتعاونون بالمشروع كله من حيث تشغيله  ومن حيث الجهاز التنفيذي ومسؤولية إدارة المشروع.

- ثالثاً: تدريب الأهالي على مباشرة التأمين التعاوني وإيجاد المبادرات الفردية، والاستفادة من البواعث الشخصية، فلا شك أن مشاركة الأهالي في الإدارة تجعلهم أكثر حرصاً ويقظة على تجنب وقوع المخاطر التي يدفعون مجتمعين تكلفة تعويضها، مما يحقق بالتالي مصلحة لهم في إنجاح التأمين التعاوني، وأن تجنب المخاطر يعود عليهم بأقساط أقل في المستقبل، كما أن وقوعها قد يحملهم أقساط أكبر في المستقبل.

- رابعاً: أن صورة الشركة المختلطة  لا يجعل التأمين كما لو كان هبة أو منحة من الدولة للمستفيدين منه، بل بمشاركة منها معهم فقط، لحمايتهم ومساندتهم، باعتبارهم هم أصحاب المصلحة الفعلية، وهذا موقف أكثر إيجابية ، ليشعر معه المتعاونون بدور الدولة، ولا يعفيهم في نفس الوقت من المسؤولية.

كما أن من أدلة جواز التأمين التعاوني الآتي:
1- أنه قائم على التعاون بين المسلمين لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}المائدة (2).

2- قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ثم شبك بين أصابعه) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

3- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم في المدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم)، وأرملوا معناها فني زادهم.

4- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في الحديث الذي رواه البخاري أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً قبل الساحل، فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاثمائة وأنا فيهم، فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد، فأمر أبو عبيدة بإزواد ذلك الجيش، فجمع ذلك كله فكان مزودي تمر، فكان يقوتنا كل يوم قليلاً قليلاً حتى فني ، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة..).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال