المحاكم الإدارية والمجلس الأعلى.. حماية الموظف من كل تعسف إداري وإعادة النظر في العلاقة التي كانت بين الإدارة والموظف تدعيما لدولة الحق والقانون

المحاكم الإدارية والمجلس الأعلى:

لا يخفى على أحد الرغبة الملكية السامية لجلالة الملك المغفور له الحسن الثاني رحمه الله في السير بهذا البلد الأمين إلى ما كان يريده له من تقدم وازدهار على جميع المستويات وإشاعة جو من الثقة والاطمئنان بين جميع أفراده حاكمين ومحكومين مما جعله يأمر في خطابه التاريخي ليوم 8 ماي 1990 بخلق محاكم إدارية متخصصة في المنازعات الإدارية إلى جانب خلق المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.

واستجابة للرغبة الملكية السامية صدر القانون رقم 90-41 بإنشاء المحاكم الإدارية المأمور بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 225-91-1 الصادر في 22 ربيع الأول 1414 موافق 10 شتنبر 1993 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 3/11/1993 صفحة 2168.

وقد قسم هذا القانون إلى عشر أبواب فصلت مقتضياتها في 51 مادة والذي يهمنا في هذا العرض هو أن النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وكذلك النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات مدنية كانت أو عسكرية هو من اختصاص النوعي للمحاكم الإدارية طبقا للفصل 8 من القانون المذكور أعلاه.

المحكمة الإدارية بالرباط:

بالإضافة إلى ذلك تختص المحكمة الإدارية بالرباط إلى جانب الاختصاصات الموكولة إلى المحاكم الإدارية أعلاه بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم وبالنزاعات الراجعة إلى اختصاص المحاكم الإدارية التي تنشأ خارج دوائر اختصاص جميع المحاكم  (الفصل 11 من القانون 90-41).

وهذا معناه أنه يجوز لكل مواطن معين بظهير أن ينازع في وضعيته الإدارية من حيث الترقية أو المعاشات أمام المحكمة الإدارية بالرباط وهو نفس الشيء الذي يمكن أن يمارسه المعين بمرسوم.

الدعاوى الموجهة ضد أي سلطة وطنية:

كما أن المحكمة الإدارية بالرباط تختص بالنظر في الدعاوى الموجهة ضد أي سلطة وطنية تقيم خارج الوطن كالسفراء والقناصل، ومتى كانت هاته المحكمة مختصة بالطلب الأصلي تكون مختصة كذلك بالدعوى المرتبطة بها ولو كانت هاته الأخيرة تدخل في اختصاص محكمة إدارية أخرى.

دعوى الإلغاء أمام المحاكم الإدارية:

ولقد حدد المشرع مدة قانونية لرفع دعوى الإلغاء أمام المحاكم الإدارية يترتب عن عدم احترامها اكتساب القرار الإداري حصانة ضد الإلغاء وبالتالي سقوط حق الطاعن في الطعن.

وبناءا على الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية المحال إليه بموجب المادة 7 من القانون 90-41 والفصل 23 من قانون المحاكم الإدارية فإن دعوى الإلغاء يجب رفعها أمام الجهة القضائية المختصة (الغرفة الإدارية المحكمة الإدارية) خلال ستين يوما من تاريخ النشر أو تبليغ القرار المطعون فيه أومن تاريخ العلم اليقيني له كما سار على ذلك الاجتهاد القضائي.

الطعن في القرارات الفردية:

وعليه فإن ميعاد الطعن في القرارات الفردية يبدأ من تاريخ تبليغها إلى من يهمه الأمر ويتم التبليغ طبقا للقواعد  العامة المنصوص عليها بقانون المسطرة المدنية ويتوقف ميعاد الطعن بالإلغاء عن السريان بسبب طلب المساعدة القضائية وتستأنف من جديد بعد توصل المعني بالأمر بالجواب.

ويتمدد كذلك ميعاد الطعن بالإلغاء إذا تقدم المعني بالأمر بتظلم إداري  لدى رئاسة الجهة المصدرة للقرار أو لدى مصدر القرار نفسه  بحيث يتعين آنذاك رفع دعوى الإلغاء إلى المحكمة المختصة خلال ستين يوما من تاريخ تبليغ قرار رفض التظلم الإداري صراحة أو ضمنيا.

ومثال القرارات الإدارية المعيبة تلك التي لم تتقيد فيها الإدارة بشكليات وإجراءات اتخاذه مثال حالة توقيع عقوبة أشد من التي اقترحتها اللجان المتساوية الأعضاء دون أخذ موافقة الوزير الأول، وكذلك حالة عدم استشارة المجلس التأديبي في اتخاذ العقوبة التأديبية، حالة عدم تمكين الموظف المحال على المجلس التأديبي من حقوق الدفاع.

حماية الموظف من كل تعسف إداري:

والخلاصة أن المحاكم الإدارية أصبحت تحمي الموظف من كل تعسف إداري، وتمكنت في فترة وجيزة من عمرها من إعادة النظر في العلاقة التي كانت بين الإدارة والموظف تدعيما لدولة الحق والقانون يظهر ذلك من خلال الاجتهادات القضائية التي نعتز بها جميعا ومن جملتها حكم رقم 1220 الصادر عن المحكمة  الإدارية بالرباط 18/8/1997 في الملف رقم 646/96 والذي مضمونه أن توجيه رئيس قسم الموظفين الاستفسار إلى الطاعنة وإحالتها إلى المجلس التأديبي وترأسه له يجعل منه خصما وحكما ويبعده عن الحياد اللازم أثناء المداولات، لذا فإن القرار الإداري المتخذ في حق الطاعنة مشوب  بتجاوز السلطة لعيب مخالفة القانون.

وكذلك الحكم رقم 1239 الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 18/9/1997 في الملف 483/96 غ والذي نص في إحدى حيثياته إذا كان للمجلس التأديبي صلاحية تقدير الحجج لتكوين قناعته فإنه يجب أن يبني مقرره التأديبي على وقائع ثابتة ومعينة ومحددة ولا تكفي مجرد العموميات الواردة في التقرير الإداري الذي لا يتضمن التعريف بالمصادر التي أخذت عنها الأفعال المنسوبة للموظف مع الإشارة أن طلبات الإلغاء الواردة في الباب الثالث من القانون 90-41 هي وحدها المعفاة من أداء الرسم القضائي دون غيرها من الطلبات المقدمة أمام المحاكم الإدارية حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 25/6/98 ملف رقم 1856/97غ.

الوضعية الفردية للموظف تدخل في إطار القضاء الشامل:

وفي نفس السياق قضت المحكمة الإدارية بالرباط أن الوضعية الفردية للموظف تدخل في إطار القضاء الشامل مما يجعل الدعوى المتعلقة بها خاضعة للرسوم القضائية تحت طائلة الحكم بعدم القبول حكم رقم 683 بتاريخ 23/7/1998 ملف رقم 1142/97غ.

وهكذا أصدرت المحكمة الإدارية بفاس حكما عدد 83 بتاريخ 20/2/2001 في الملف عدد 119/2000غ قضية سعيد الحمين موظف بجماعة سيدي احرازم قضى بإلغاء القرار عدد 1399 س ح الصادر عن المجلس القروي لسيدي احرازم بتاريخ 20/12/99 والقاضي بتوقيف الطاعن لمدة سبعة أيام مع خصم هذه المدة من أجرته الشهرية بما ترتب عنه من آثار لكونه لا يوجد بالملف أية حجة مقبولة تفيد كون الإدارة أشعرته بتاريخ انعقاد المجلس التأديبي أو استدعائه له الشيء الذي أدى إلى عدم مثول المدعي أمام المجلس التأديبي وإبداء أوجه دفاعه حول الأفعال المنسوبة إليه والتي اعتمدت كأساس لإيقاع العقوبة به.

وعليه فالمجلس التأديبي لم يمنح المدعي الضمانات المخولة له بموجب القانون كحق الدفاع الذي يعتبر من المبادئ العامة للقانون الأمر الذي عرض القرار السالف ذكره للإلغاء بغض النظر عن باقي الوسائل الأخرى.

كما أن الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى تعتبر كمرجع استئنافيا لجميع الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية فهي درجة ثانية من درجات التقاضي للقضاء الإداري كما ثبت ابتدائيا وانتهائيا في بعض القضايا طبقا للفصل 9 من القانون 90-41.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال