المحاولات الأوربية للالتفاف حول العالم الإسلامي.. الوصول إلى الهند بالدوران حول إفريقيا وكسر احتكار تجارة الهند للمسلمين وحلفائهم الطليان

لقد استطاع الإسلام في أقل من قرن أن يسيطر على ملتقى ثلاث قارات هي آسيا وإفريقيا وأوربا، وأن يعيش على خطوط التجارة العالمية من الهند إلى غرب وشمال أوروبا، ولم يحل استيلاء المسلمون على المنطقة الممتدة من الخليج العربي إلى المحيط الأطلنطي دون استمرار تجارة أوروبا النصرانية مع آسيا أو إفريقيا.

بل إن هذه التجارة استمرت حتى إبان الحروب الصليبية التي أدت إلى كثير من التلاقح الحضاري بين الفريقين المتحاربين، وقد كانت هناك شراكة فعلية بين تجار البندقية في إيطاليا، وتجار الشام ومصر في إدارة التجارة مع الهند في التوابل والحرير بنظم تمويل إسلامية مع استعمال الدينار كعملة حرة دولية.

ولكن في القرن الخامس عشر الميلادي بدأت أوروبا النصرانية تخرج من القرون الوسطى وتبني قوتها الاقتصادية والعسكرية.

ففي هذا القرن انتهت الحروب الطاحنة والطويلة في فرنسا وبريطانيا وشيَّدت دول غرب أوربا أساطيلها البحرية وبدأت استكشاف المحيطات، كما اخترعت المطبعة والأسلحة النارية.

وقد مكنت هذه التغييرات أوروبا النصرانية من إخراج المسلمين من الأندلس ثم ملاحقتهم عبر مضيق جبل طارق منذ عام 1415م (أي بعد سبعة قرون من الهيمنة على الأندلس التي غزوها عام (711م)، ولكن في شرق البحر الأحمر ظل المسلمون يهيمنون مع حلفائهم من تجار البندقية على التجارة العالمية عبر الشام والبحر الأحمر بل راحوا يسجلون انتصارات جديدة حتى استولوا على القسطنطينية  عام 1453م.

وبعد أن أُجلي المسلمون من الأندلس شرع الأسبان والبرتغاليون في غزو المغرب العربي في عام 1415م، ولكنهم فشلوا في ذلك وهزموا فاتجهوا إلى تطبيق استراتيجية أطول أمداً ولكنها أكثر فاعلية، فقد قام ملوك البرتغال، خاصةً الأمير هنري الملاح برسم هذه الاستراتيجية وتنفيذها اعتماداً على قواتهم البحرية وانطلاقاً من رغبتهم في محاربة الإسلام من جهة أخرى.

وقد كانت استراتيجية هنري الملاح هي الالتفاف حول المنطقة الإسلامية، والوصول إلى الهند بالدوران حول إفريقيا التي أوضح الجغرافيون المسلمون أنها جزيرة تحيط بها الماء.

وقد كان البرتغاليون يأملون من ذلك ليس فقط في كسر احتكار تجارة الهند للمسلمين وحلفائهم الطليان، ولكن أيضاً في الوصول إلى الملك الإفريقي النصراني الأسطوري المسمى (بريستور جون) الذي كانوا يأملون في التحالف مع جحافله الضخمة في دحر المسلمين.

وبالفعل استطاع بارثلوميو دياز اجتياز رأس الرجاء الصالح في عام 1488م، وفي عام 1497م وصل فاسكو داجاما إلى الهند، ولكن لطول الطريق البحري الجديد ومخاطره صار غير قادر على منافسة الطرق القديمة التي تمر بالمنطقة الإسلامية، ومن ثمَّ اتجه البرتغاليون إلى قفل منافذ التجارة الإسلامية في الخليج والبحر الأحمر بعد أن حطموا الأسطول المصري الطلياني المشترك في عام 1509م، وتوغَّل قائدهم البكيركي باحتلال مكة المكرمة وهدم الكعبة.

ولكن السلطة العثمانية التي احتلت مصر عام 1517م استطاعت أن تمنعهم من دخول البحر الأحمر، ولم تستمر سيطرتهم على مضيق هرمز طويلاً.

وسرعان ما فقد البرتغاليون احتكارهم للتجارة مع الهند، إذ عادت إلى الطرق التقليدية عبر المنطقة العربية هيمنتها السابقة، وما أن حل عام 1540م حتى كان الطريق القديم عبر الإسكندرية وحلب إلى البندقية ومرسيليا أكثر حركة من الطريق الأطول عن طريق رأس الرجاء الصالح، فقد كان طول هذا الطريق من كلكتا إلى لشبونة تسعة ألف ميل مقابل خمسة ألف ميل هي طول الطريق من كلكتا إلى البندقية مروراً بالبحر الأحمر.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال