أسلوب الاستفتاء التأسيسي.. وضع دستور جديد للدولة. الشعب في الحكومات الديمقراطية هو صاحب السيادة ومصدر كل السلطات فيها

إنَّ الديمقراطية في معناها الحرفي تعني "حكم أو سلطة الشعب"؛ ولهذا فقد عرَّفها البعض بأنها «حكم الشعب بالشعب وللشعب»، وهو ما يعني أن الشعب في الحكومات الديمقراطية هو صاحب السيادة ومصدر كل السلطات فيها، وهذا يستلزم بطبيعة الحال أن يباشر الشعب بنفسه وبشكلٍ مباشرٍ جميع مظاهر السيادة.

ولمَّا كانت هنالك صعوبات تقنية أو فنية des difficultés techniques تحول دون تطبيق نظام «الديمقراطية المباشرة» في دول عالمنا المعاصر، فكان لا بد من الالتجاء إلى نظام آخر بديل، فكان نظام «الديمقراطية النيابية»، الذي من مقتضاه أن يقوم الشعب صاحب السيادة بإلقاء عبء الحكم ومباشرة السلطة على هيئات يختارها، ويترك لها مباشرة تلك السلطة، فالشعب هنا لا يُقرّر بنفسه، وإنما يقتصر دوره على اختيار نوابه الذين سيقرّرون باسمه ونيابةً عنه.

وقد كان أسلوب الجمعية التأسيسية تطبيقاً حقيقياً للنظام النيابي «الديمقراطية النيابية»، غير أن هذا النظام الأخير تعرَّض لانتقاداتٍ كثيرةٍ، نظراً لأنه يبتعد كثيراً عن ﴿المَثَل الأعلى للديمقراطية التي تفترض ممارسة الشعب لسيادته بنفسه﴾ «l'idée démocratique exige que le peuple exerce lui-même sa souveraineté».

ولذلك تلجأ بعض الأنظمة الديمقراطية الحديثة إلى إشراك الشعب إشراكاً فعلياً في ممارسة السلطة.
وتحقيقاً لهذه الغاية، تقوم هذه الأنظمة أساساً على الأخذ بالنظام النيابي (الديمقراطية النيابية) مع الرجوع إلى الشعب في بعض الأمور المهمة كي يمارسها بنفسه مباشرة، فتُبقي على الهيئات النيابية المنتخبة من الشعب والتي تمارس السلطة باسم الشعب، مع الأخذ ببعض مظاهر (الديمقراطية المباشرة) التي تجعل السلطة في يد الشعب يمارسها بنفسه؛ وهذا هو النظام الوسط الذي يجمع بين الديمقراطية النيابية والديمقراطية المباشرة، ولذلك يسمى بنظام «الديمقراطية شبه المباشرة».

وحاصل القول، أنه نتيجةَ استحالة تطبيق الديمقراطية المباشرة، وبسبب العيوب التي شابت الديمقراطية النيابية، برزت فكرة «الديمقراطية شبه المباشرة» التي تُشرك الشعب في ممارسة السلطة بجوار الهيئة النيابية المنتخبة، وتجعله رقيباً عليها، وعلى السلطة التنفيذية عن طريق مظاهر معينة.

ومن أهم مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة «الاستفتاء الشعبي»، الذي يتنوع من حيث الموضوع المعروض على التصويت الشعبي إلى ثلاثة أنواع هي: (الاستفتاء الدستوري Constitutional Referendum، والاستفتاء التشريعي Legislative Referendum، والاستفتاء السياسي Political Referendum).

والذي يعنينا في مجال دراستنا هو النوع الأول من هذه الاستفتاءات، أي «الاستفتاء الدستوري »,وهذا الأخير يُعرّفه البعض بأنه «ذلك النوع من الاستفتاء الذي ينصبّ على إقرار دستور الدولة أو تعديله، ويتمثل في عرض مشروع الدستور أو التعديل ـ بعد إعداده ـ على التصويت الشعبي للموافقة أو الرفض».

ويتضح من التعريف السابق أن الاستفتاء الدستوري ينقسم إلى قسمين: «استفتاء تأسيسي» يتعلق بوضع دستور جديد للدولة، و «استفتاء تعديلي» يتصل بتعديل الدستور القائم، سواء بالتغيير في بعض مواده أو بالإضافة أو الحذف.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال