تختلف دساتير الدول اختلافاً بيِّناً فيما يتعلق بالإجراءات والأشكال التي تتطلبها لإمكان تعديل نصوصها وأحكامها، ويرجع هذا الاختلاف إلى اعتبارين: أحدهما قانوني والآخر عملي.
ويتطلب الاعتبار القانوني أن تقوم الدولة بتنظيم التعديل على أساس قاعدة ﴿توازي الأشكال﴾ Parallélisme des formes، التي تقضي بأن العمل القانوني لا يجوز تعديله أو إلغاؤه إلا بإتباع ذات الإجراءات والأشكال المقررة لإصداره.
وتطبيق هذه القاعدة في مجال الدساتير، يقودنا إلى وجوب جعل مهمة تعديل الدستور من اختصاص سلطة يتم تكوينها على غرار السلطة التأسيسية التي قامت بوضعه، وبإتباع ذات الإجراءات والأشكال التي طبَّقتها هذه السلطة الأخيرة عند إصداره.
وعلى ذلك، فلا يجوز تعديل الدستور الذي صدر عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة إلا عن طريق جمعية تنتخب بغرض إجراء التعديل، وبإتباع ذات الأشكال والإجراءات التي طبَّقتها الجمعية التأسيسية عند وضع الدستور.
وإذا كان مشروع الدستور الذي قامت بإعداده جمعية تأسيسية منتخبة قد طُرِح على الشعب في صورة استفتاءٍ عامٍ لأخذ موافقته عليه، فإن تعديله لا يتم إلا بإتباع بذات الطريقة، أي بانتخاب جمعية تتولى مهمة إعداد مشروع التعديل، ثم عرضه بعد ذلك على الشعب في صورة استفتاء عام لأخذ موافقته عليه.
ومن أمثلة الدساتير التي طبَّقت هذه القاعدة الدستور الفرنسي الصادر في سنة 1793، ودستور السنة الثالثة لإعلان الجمهورية سنة 1795، وكذلك دستور سنة 1848.
ومن الأمثلة كذلك، الدستور المصري الحالي لسنة 1971(المعدَّل)، والذي صدر بطريق الاستفتاء الشعبي، وفقاً لصريح المادة /193/ من هذا الدستور والتي تنص على أن: «يُعمل بهذا الدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء»، فقد تضمن نصاً آخر يشترط ضرورة عرض أي تعديل دستوري على الشعب لاستفتائه في شأنه، حيث نصت نصَّت الفقرَتَيْن الأخيرَتَيْن من المادة /189/ من الدستور المصري على أنه: «إذا وافق مجلس الشعب على التعديل.. عُرض على الشعب لاستفتائه في شأنه، فإذا وُوفِقَ على التعديل اعتبر نافذاً من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء».
ومن التطبيقات الحديثة لقاعدة توازي أو تقابل الأشكال نذكر على سبيل المثال: النظام الأساسي لنظام الحكم في المملكة العربية السعودية الصادر بطريق المنحة في عام 1992, فقد نصت المادة الأخيرة من هذا النظام الأساسي (وهي المادة 83) على أنه: «لا يجري تعديل هذا النظام إلا بنفس الطريقة التي تم بها إصداره».
أي أن تعديل هذا النظام لا يكون إلا بإرادة ملكية خاصة.
وقد ورد نص مماثل في النظام الأساسي للدولة في سلطنة عُمان الصادر عام 1996 بطريق المنحة كذلك، حيث نصت المادة الأخيرة من هذا النظام الأساسي (وهي المادة 81) على أنه: «لا يجري تعديل هذا النظام إلا بنفس الطريقة التي تم بها إصداره».
أي أن تعديل هذا النظام لا يكون إلا بإرادة السلطان المنفردة.
أما بالنسبة للاعتبار العملي، فإنه يتمثل في الرغبة في تيسير عملية تعديل الدستور، ولكن دون الإخلال بوجوب تحقيق نوع من الثبات والاستقرار لقواعد الدستور بما يحصّنها في مواجهة المشرع العادي، ويؤكِّد سموَّها في مواجهة القوانين العادية.
ومقتضى ذلك أن تكتفي الدساتير بجعل التعديل من اختصاص السلطة التشريعية مع وجوب إتباع إجراءات خاصة تكون أكثر شدة وتعقيداً من الإجراءات التي يتم بها تعديل القوانين العادية.
وهذا هو الحل الأسلم برأينا، حيث يتفق مع اعتبارات الحكمة السياسية التي تتطلب عدم الإكثار من الحواجز والعراقيل التي تحول دون إمكانية تعديل قواعد الدستور، وذلك لأنه كلما زادت هذه الحواجز أو تلك العراقيل عن الحد المعقول فإن الرغبة في التعديل والإصلاح لن تجد أمامها سوى اللجوء إلى أسلوب العنف المتمثل في الثورة أو الانقلاب ما دامت الطرق القانونية مسدودة في وجهها.
وأيَّاً كان أمر الاختلاف بين الدساتير فيما يتعلق بالأوضاع والإجراءات الواجب إتباعها بشأن تعديل أحكامها، إلا أنه يمكن حصر المراحل التي يمر بها أي تعديل دستوري في أربع مراحل هي الآتية:
1- مرحلة اقتراح التعديل.
2- مرحلة إقرار مبدأ التعديل.
3- مرحلة إعداد أو تحضير التعديل.
4- مرحلة إقرار التعديل بصفة نهائية.
التسميات
قانون دستوري