خلال فترة ما بعد الاستقلال، عرفت الحياة الثَّقافيَّة المغربية انتعاشة ملحوظة، حيث سيلاحَظ تطوُّر مذهل شيئًا ما لصحافة نظرية وثقافيَّة باللغتين الفرنسية والعربية والمحتسَبة خارج الخطاب الرسمي. وهكذا أحدث في سنة 1966 مجلة "الأنفاس" (Souffles)، هدفها العمل من أجل ثقافة جديدة لإعادة النظر كما في قدسية الماضي وأيضًا في الارتباط بالحضارة الغربية. في نفس السنة، ظهرت مجلة "Lamalif" التي عالجت منذ البداية القضايا الثَّقافيَّة. وبعد مرور أقل من سنتين أحدثت "جمعية البحث الثَّقافي"، هدفها كان التحليل النقدي لتأثير الثَّقافة الغربية.
وقد ذكر البيان المبدئي للجمعية أنه "قد حان الوقت للكشف عن السطوة التي فرضتها على مجتمعنا القوة التكنولوجية للمجتمع الاستهلاكي، كما فرضتها على العالم الثالث بشكل عامّ. هذا التأثير متى يتمّ التركيز عليه، فمن شأنه أن يكشف أن القوة التكنولوجية والتطوُّر العلمي الذي يمرّ به العالَم الغربى سيمثل -كما هو الوضع حاليًّا- أدوات للإنسان المهاجر وإعاقة لقدراته الإبداعية المتعددة".
وفي عام 1967 بدأت جريدة "العلم" في نشر ملحق ثقافي أسبوعي، ليتبعها في ذلك باقي الصحف، كما عرف أيضًا ميدان التاريخ والرواية والشعر والرسم والمسرح والموسيقى ازدهارًا فريدًا. أما على صعيد الرسم التشكيلي فإن ما كان يُعرَف بـ"مدرسة الدار البيضاءـ"، المكوَّنة من مجموعة من الرسامين المرموقين، أسهم في إنشاء فكر نظري حول الإدماج السوسيو ثقافي للرسم المغربي من خلال ما كان يُعرَف آنذاك في مراكش بـ"Exposition Manifeste". هؤلاء الفنانون، كانوا يعيدون النظر في الإرث الاستعماري ويحاولون إخراج الرسم المغربي من عزلته بلقاء الرسم مع جمهوره، فساحة "جامع الفناء" الشهيرة كانت مكانًا للقاء، رافضين بذلك أجواء قاعات المعارض البرجوازية المغلقة وذلك عام 1969. وفي نفس السنة أقيم معرض الدار البيضاء بساحة 16 نونبر في نفس السياق، وستجد هذه التظاهراتُ امتدادًا لها في مهرجان أصيلا بعد ذلك بعشر سنوات. أما على مستوى المسرح، فمباشرةً بعد الاستقلال، ظهرت مجموعات من الفرق لتعبِّر عن طموحات الجماهير. فمن بعض الفرق في بداية الاستقلال انتقل عددها إلى 140 فرقة سنة 1969. فقد شهدت سنة 1959 إحداث المركز المغربي للبحث الدرامي وتأسيس مهرجان مسرح الهواة الذي سيعطي مع سنة 1957 انطلاقة لدينامكية جديدة حيث سيتحول إلى فضاء تعبيري سنوي لمسرح مستقلّ عن أي وصاية وزارية من أجل إسماع قضايا مجتمع تلك الحقبة. وفي نفس الفترة عرف الإنتاج الفني للموسيقى انطلاقة ظهور موسيقى شعبية من نوع جديد. ويتعلق الأمر بتلك الموجة الموسيقية المكوَّنة في البداية من مجموعة "ناس الغيوان" لتتبعها على التوالي مجموعة "جيل جيلالة" وغيرها، انبثقت كلها عن المسرح. فـ"ناس الغيوان" كانت أول مجموعة أعادت توجيه الممارسة الغنائية المغربية نحو أصوله الشعبية، معيدين بذلك إحياء التُّراث الشعري والموسيقي المغربي ذي الجذور العربية والأمازيغية والإفريقية.
وهكذا تميزت حقبة ما بعد الاستقلال وإلى بداية السبعينيات ببروز جيل من المفكرين والكتاب والفنانين كانوا يرون أنه لا وجود لوعي علمي، أدبي أو فني، دون وعي سياسي. إنها فترة النضال الثَّقافي الملتزم والمتشبع بمبادئ اليسار الذي هيمن طَوَال هذه المرحلة. لكن إذا كان تأثُّرهم بهذا الفكر واضحًا، فإن هؤلاء المثقفين المغاربة استطاعوا أن يحافظوا على استقلاليتهم في صياغتهم هُوِيَّة ثقافيَّة جديدة محمَّلة أحيانًا ببعض التناقضات. وما فتئ طرحهم قضايا الهُوِيَّة والآيديولوجية يتصاعد، حتى غدا وعيهم بتشعُّب الميدان الثَّقافي، تأثيره وتداخله مع ما هو سياسي واجتماعي يحلُّ محلَّ انشغالهم بحلم الحداثة. وأمام هذا الوضع، فإن السلطة السياسية، التي كانت تقف حينها موقف صمت إزاء قضايا الثَّقافة، وعيًا منها بالرهان الذي تقدمه الثَّقافة، قامت لتواجه الوضعية المذكورة من خلال استغلال واستثمار الثَّقافة نفسها لاحتوائها.
وقد ذكر البيان المبدئي للجمعية أنه "قد حان الوقت للكشف عن السطوة التي فرضتها على مجتمعنا القوة التكنولوجية للمجتمع الاستهلاكي، كما فرضتها على العالم الثالث بشكل عامّ. هذا التأثير متى يتمّ التركيز عليه، فمن شأنه أن يكشف أن القوة التكنولوجية والتطوُّر العلمي الذي يمرّ به العالَم الغربى سيمثل -كما هو الوضع حاليًّا- أدوات للإنسان المهاجر وإعاقة لقدراته الإبداعية المتعددة".
وفي عام 1967 بدأت جريدة "العلم" في نشر ملحق ثقافي أسبوعي، ليتبعها في ذلك باقي الصحف، كما عرف أيضًا ميدان التاريخ والرواية والشعر والرسم والمسرح والموسيقى ازدهارًا فريدًا. أما على صعيد الرسم التشكيلي فإن ما كان يُعرَف بـ"مدرسة الدار البيضاءـ"، المكوَّنة من مجموعة من الرسامين المرموقين، أسهم في إنشاء فكر نظري حول الإدماج السوسيو ثقافي للرسم المغربي من خلال ما كان يُعرَف آنذاك في مراكش بـ"Exposition Manifeste". هؤلاء الفنانون، كانوا يعيدون النظر في الإرث الاستعماري ويحاولون إخراج الرسم المغربي من عزلته بلقاء الرسم مع جمهوره، فساحة "جامع الفناء" الشهيرة كانت مكانًا للقاء، رافضين بذلك أجواء قاعات المعارض البرجوازية المغلقة وذلك عام 1969. وفي نفس السنة أقيم معرض الدار البيضاء بساحة 16 نونبر في نفس السياق، وستجد هذه التظاهراتُ امتدادًا لها في مهرجان أصيلا بعد ذلك بعشر سنوات. أما على مستوى المسرح، فمباشرةً بعد الاستقلال، ظهرت مجموعات من الفرق لتعبِّر عن طموحات الجماهير. فمن بعض الفرق في بداية الاستقلال انتقل عددها إلى 140 فرقة سنة 1969. فقد شهدت سنة 1959 إحداث المركز المغربي للبحث الدرامي وتأسيس مهرجان مسرح الهواة الذي سيعطي مع سنة 1957 انطلاقة لدينامكية جديدة حيث سيتحول إلى فضاء تعبيري سنوي لمسرح مستقلّ عن أي وصاية وزارية من أجل إسماع قضايا مجتمع تلك الحقبة. وفي نفس الفترة عرف الإنتاج الفني للموسيقى انطلاقة ظهور موسيقى شعبية من نوع جديد. ويتعلق الأمر بتلك الموجة الموسيقية المكوَّنة في البداية من مجموعة "ناس الغيوان" لتتبعها على التوالي مجموعة "جيل جيلالة" وغيرها، انبثقت كلها عن المسرح. فـ"ناس الغيوان" كانت أول مجموعة أعادت توجيه الممارسة الغنائية المغربية نحو أصوله الشعبية، معيدين بذلك إحياء التُّراث الشعري والموسيقي المغربي ذي الجذور العربية والأمازيغية والإفريقية.
وهكذا تميزت حقبة ما بعد الاستقلال وإلى بداية السبعينيات ببروز جيل من المفكرين والكتاب والفنانين كانوا يرون أنه لا وجود لوعي علمي، أدبي أو فني، دون وعي سياسي. إنها فترة النضال الثَّقافي الملتزم والمتشبع بمبادئ اليسار الذي هيمن طَوَال هذه المرحلة. لكن إذا كان تأثُّرهم بهذا الفكر واضحًا، فإن هؤلاء المثقفين المغاربة استطاعوا أن يحافظوا على استقلاليتهم في صياغتهم هُوِيَّة ثقافيَّة جديدة محمَّلة أحيانًا ببعض التناقضات. وما فتئ طرحهم قضايا الهُوِيَّة والآيديولوجية يتصاعد، حتى غدا وعيهم بتشعُّب الميدان الثَّقافي، تأثيره وتداخله مع ما هو سياسي واجتماعي يحلُّ محلَّ انشغالهم بحلم الحداثة. وأمام هذا الوضع، فإن السلطة السياسية، التي كانت تقف حينها موقف صمت إزاء قضايا الثَّقافة، وعيًا منها بالرهان الذي تقدمه الثَّقافة، قامت لتواجه الوضعية المذكورة من خلال استغلال واستثمار الثَّقافة نفسها لاحتوائها.
التسميات
مغرب